اقامت الجدة منزل واوصت ان يقسم هذا المنزل على ورثتها الولد مثل البنت واولادها ، فما حكم الدين ؟
يجيب على هذه الفتوى الدكتور عبد الله سمك :
مادامت الجدة قد ماتت قبل أولادها ، وورثها أولادها بعد مماتها ،والشرع قد جعل للذكر مثل حظ الأنثيين ، فالواجب تنفيذ الشرع ، ولا عبرة بتلك الوصية .
لما روي عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( يَقُولُ إنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ ) .
رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَالْأَرْبَعَةُ إلَّا النَّسَائِيّ ، وَحَسَّنَهُ أَحْمَدُ ، وَالتِّرْمِذِيُّ ، وَقَوَّاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ ، وَابْنُ الْجَارُودِ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَزَادَ فِي آخِرِهِ ( إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْوَرَثَةُ ) وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ .
وَفِي الْبَابِ عَنْ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ ، وَالنَّسَائِيُّ ، وَعَنْ أَنَسٍ عِنْد ابْنِ مَاجَهْ ، وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ ، وَعَنْ جَابِرٍ عِنْدَهُ أَيْضًا ، وَقَالَ الصَّوَابُ إرْسَالُهُ ، وَعَنْ عَلِيٍّ عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، وَلَا يَخْلُو إسْنَادُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَنْ مَقَالٍ لَكِنَّ مَجْمُوعَهَا يَنْهَضُ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ بَلْ جَزَمَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ أَنَّ هَذَا الْمَتْنَ مُتَوَاتِرٌ فَإِنَّهُ قَالَ إنَّهُ نَقْلُ كَافَّةٍ عَنْ كَافَّةٍ ، وَهُوَ أَقْوَى مِنْ نَقْلِ وَاحِدٍ ( قُلْت ) الْأَقْرَبُ وُجُوبُ الْعَمَلِ بِهِ لِتَعَدُّدِ طُرُقِهِ .
وَلِمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ ، وَإِنْ نَازَعَ فِي تَوَاتُرِهِ الْفَخْرُ الرَّازِيّ ، وَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ بِثُبُوتِهِ فَإِنَّهُ مُتَلَقًّى بِالْقَبُولِ مِنْ الْأَمَةِ كَمَا عُرِفَ ، وَقَدْ تَرْجَمَ لَهُ الْبُخَارِيُّ فَقَالَ : بَابُ لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَلَى شَرْطِهِ فَلَمْ يُخْرِجْهُ ، وَلَكِنَّهُ أَخْرَجَ بَعْدَهُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ ، وَلَهُ حُكْمُ الْمَرْفُوعِ ، وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى مَنْعِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ ، وَهُوَ قَوْلُ الْجَمَاهِيرِ مِنْ الْعُلَمَاءِ .
وَذَهَبَ الْهَادِي ، وَجَمَاعَةٌ إلَى جَوَازِهَا مُسْتَدِلِّينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ } الْآيَةَ قَالُوا .
وَنَسْخُ الْوُجُوبِ لَا يُنَافِي بَقَاءَ الْجَوَازِ قُلْنَا نَعَمْ لَوْ لَمْ يَرِدْ هَذَا الْحَدِيثُ فَإِنَّهُ نَافٍ لِجَوَازِهَا إذْ وُجُوبُهَا قَدْ عُلِمَ نَسْخُهُ مِنْ آيَةِ الْمَوَارِيثِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَانَ الْمَالُ لِلْوَلَدِ ، وَالْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ فَنَسَخَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَحَبَّ فَجَعَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ، وَجَعَلَ لِلْأَبَوَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ ، وَجَعَلَ لِلْمَرْأَةِ الثُّمُنَ وَالرُّبُعَ ، وَلِلزَّوْجِ الشَّطْرَ وَالرُّبُعَ .
وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْوَرَثَةُ ) دَلَّ عَلَى أَنَّهَا تَصِحُّ ، وَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ إنْ أَجَازَهَا الْوَرَثَةُ ، هَذَا فِي الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ .
وإتماما للفائدة نقول:
1- يرى الحنفيّة والشّافعيّة : أنّ الوصيّة أعمّ من الإيصاء ، فهي عندهم ، تصدق على التّمليك المضاف إلى ما بعد الموت بطريق التّبرّع ، وتصدق على الإيصاء ، وهو طلب شيءٍ من غيره ليفعله بعد وفاته ، كقضاء ديونه وتزويج بناته.
ويرى المالكيّة وبعض الحنابلة : أنّ الوصيّة والإيصاء بمعنًى واحدٍ.
فقد عرّفها المالكيّة بأنّها : عقد يوجب حقّاً في ثلث مال العاقد يلزم بموته ، أو يوجب نيابةً عنه بعد موته وعرّفها بعض الحنابلة : بأنّها الأمر بالتّصرّف بعد الموت ، أو التّبرّع بالمال بعده.
فكلّ من هذين التّعريفين يفيد أنّ الوصيّة قد تكون بالتّبرّع بالمال بعد الموت ، وقد تكون بإقامةٍ الموصي غيره مقام نفسه في أمرٍ من الأمور بعد وفاته ، فهي شاملة لكلٍّ منهما على السّواء ، فكلاهما يطلق عليه اسم الوصيّة.
2- اختلف الفقهاء في الوصيّة لوارث على قولين :
القول الأوّل : ذهب الحنفيّة وهو الأظهر عند الشّافعيّة والحنابلة وقول عند المالكيّة إلى أنّ الوصيّة للوارث تنعقد صحيحةً موقوفةً على إجازة الورثة ، فإن أجازوها بعد وفاة الموصي نفذت وإن لم يجيزوها بطلت ولم يكن لها أثر ، وإن أجازها البعض دون البعض نفذت في حقّ من أجازها ، وبطلت في حقّ من لم يجز .
واستدلّوا على ذلك بقول الرّسول صلى الله عليه وسلم : « لا تجوز الوصيّة لوارث إلاّ أن يشاء الورثة » .
القول الثّاني : ذهب المالكيّة والشّافعيّة في مقابل الأظهر وفي رواية عند الحنابلة إلى أنّ الوصيّة للوارث باطلة مطلقاً وإن أجازها سائر الورثة ، إلاّ أن يعطوه عطيّةً مبتدأةً ، واحتجّوا بظاهر قول الرّسول صلى الله عليه وسلم : « لا وصيّة لوارث » .
ولأنّ الوصيّة للوارث تلحق الضّرر ببقيّة الورثة وتثير الحفيظة في نفوسهم وقد نهى القرآن الكريم عن ذلك في قوله : « مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ » .
فيديو قد يعجبك: