إعلان

ما حكم المبالغة في الفائدة على السلع المشتراة بالتقسيط؟

09:00 ص الثلاثاء 08 ديسمبر 2015

ما حكم المبالغة في الفائدة على السلع المشتراة بالت

بعض التجار يبيعون للناس سلعًا بنظام التقسيط، ويجعلون المشتري يوقع على كمبيالات بقيمة تتعدى قيمة السلعة المشتراة وبفائدة كبيرة، وفي كثير من الأحيان عند التعثر في السداد يتعرض المتعثر لعقوبة الحبس. فما هو حكم المبالغة في الفائدة، وبم تنصح الدار التجار الذين يستغلون حاجة الناس للحصول على أرباح مبالغ فيها؟

تجيب أمانة الفتوى بدار الإفتاء المصرية:

مِن المُقَرَّر شرعًا أنه يَصِح البيع الذي يحوز فيه المشتري المبيعَ المُعَيَّنَ ويؤجل أداءَ كُلِّ ثمنه أو بعضه على أقساط معلومة لأَجَلٍ معلوم.

ودليل ذلك قوله تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ﴾.. [البقرة: 275]، وقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اشترى طعامًا مِن يهوديٍّ إلى أَجَلٍ، ورهنه درعًا مِن حَديد.

وقال ابنُ بَطَّال في "شرح البخاري": "العلماء مُجْمِعون على جواز البيع بالنسيئة".

ولو زاد البائعُ في ثمن المبيع المُعَيَّن نظير الأجل المعلوم فإن ذلك جائز شرعًا أيضًا؛ لأنه مِن قبيل المرابحة، وهي نوع من أنواع البيوع الجائزة شرعًا التي يجوز فيها اشتراط الزيادة في الثمن في مقابلة الأجل؛ لأن الأجل وإن لم يكن مالًا حقيقة إلا أنه في باب المرابحة يُزاد في الثمن لأجله إذا ذُكِر الأجل المعلوم في مقابلة زيادة الثمن؛ قصدًا لحصول التراضي بين الطَّرَفين على ذلك، ولعدم وجود موجب للمنع، ولحاجة الناس الماسَّة إليه، بائعينَ كانوا أو مشترين. ولا يُعَد ذلك مِن قبيل الربا؛ لأنه بَيعٌ حصل فيه إيجابٌ وقَبولٌ، وتَوَفَّر فيه الثَمَن والمُثمَن [المبيع]، وهذه هي أركان البيع، غاية أمره أنه قد تأجل فيه قبض الثمن إلى أجل أو إلى آجال، فدخل تحت عموم قوله تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ﴾.. [البقرة: 275]، وكذلك فإنه من المقرر فقهًا أنه إذا توسطت السلعة فلا ربا.

والقول بجواز الزيادة في الثمن نظير الأجل هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء؛ من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة.

قال الإمام الكاساني في "بدائع الصنائع": "للأَجَل شُبهة المبيع، وإن لم يكن مبيعًا حقيقة؛ لأنه مرغوب فيه، ألا ترى أن الثمن قد يزاد لمكان الأجل، فكان له شُبهَة أن يُقابله شيءٌ مِنَ الثمن، فيصير كأنه اشترى شيئين، ثم باع أحدَهما مُرابَحة على ثَمَن الكُل".

وقال الشيخ أحمد الدردير في "الشرح الكبير" على "مختصر سيدي خليل" في مذهب الإمام مالك: "فإن وقع -أي: البيع بعشرة نقدًا أو أكثر لأَجَل- لا على الإلزام، وقال المشتري: اشتريتُ بكذا، فلا مَنع".

وقال الإمام أبو إسحاق الشيرازي الشافعي: "الأَجَل يأخذ جُزءًا من الثمن".

وقال العلامة ابن مُفلِح الحنبلي في "المُبدِع شرح المُقنِع": "(وله -أي: ولي الصبي والمجنون- دفعه -أي: مال الصبي والمجنون- مضاربةً بجزء من الربح)؛ لأن عائشة أبضعت مال محمد بن أبي بكر؛ إذ الولي نائب عنه فيما فيه مصلحته، وهذا مصلحة؛ لما فيه من استبقاء ماله...(وبيعه نساء)؛ أي: إلى أجل، إذا كان الحظ فيه...؛ لأنه قد يكون الثمن فيه أكثر؛ لأن الأجل يأخذ قسطًا من الثمن".

وذلك هو المنقول عن طاووس، والحَكَم، وحَمَّاد، والأَوزاعي من فقهاء السلف، وقد أفرد القاضي الشوكاني هذه المسألة بالتصنيف في جُزءٍ مُفرَدٍ انتصر فيه لمذهب الجمهور، وسماه: "شفاء العِلَل في حُكم زيادة الثمن لمجرد الأجل".

وهذا هو ما ذهب إليه مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي : "تجوز الزيادة في الثمن المؤجل عن الثمن الحالِّ، كما يجوز ذكر ثمن المبيع نقدًا وثمنه بالأقساط لمُدَدٍ معلومة، ولا يصح البيع إلا إذا جزم العاقدان بالنقد أو التأجيل، فإنْ وقع البيع مع التردد بين النقد والتأجيل؛ بأن لم يحصل الاتفاق الجازم على ثَمَنٍ واحدٍ مُحَدَّدٍ فهو غير جائز شرعًا".

أما بخصوص نسبة الربح، فإن النصوص الشرعية لم ترد بتحديد نسبة ربح محددة؛ وقد يشتري الإنسان السلعة برخص، ثم يرتفع سعرها بعد ذلك، فيربح المشتري فيها ربحًا كثيرًا، وقد يحدث العكس، فيشتري السلعة بثمن كبير، ثم يهبط سعرها، فيخسر فيها خسارة كبيرة لو أراد بيعها.

والأمر في ذلك يدور على التراضي بين طرفي العقد، فمتى حصل التراضي صحت المعاملة؛ وقد قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾.. [النساء: 29].

قال الإمام البيضاوي في تفسيره "أنوار التنزيل": "﴿إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ﴾: استثناء منقطع؛ أي: ولكن كون تجارة عن تراض غير منهي عنه، أو اقصدوا كون تجارة. و﴿عَنْ تَراضٍ﴾ صفة لتجارة؛ أي: تجارة صادرة عن تراضي المتعاقدين. وتخصيص التجارة من الوجوه التي بها يحل تناول مال الغير؛ لأنها أغلب وأرفق لذوي المروءات، ويجوز أن يراد بها الانتقال مطلقًا".

وعليه فإن البيع المسؤول عنه صحيح ما دام قد استوفى الأركان والشروط الشرعية، ولا يمكن القول فيه بأكثر من الكراهة للبائع؛ للحاجة الملحة للشراء لدى الفقير.

ولكننا مع ذلك نرشد التجار من الناحية الأخلاقية أن يعاملوا إخوانهم بما يحبون أن يعاملوا هم به، لو كانوا مكانهم؛ وقد روى الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لا يؤمن أحدكم، حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».

وروى أبو داود عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السماء».

ولا ينبغي أن نقف عند هذا الحد من الأحكام المتقررة، بل لا بد من البحث عن حلول عملية تساعد المشتري الفقير على تخطي مثل هذه المشكلة، ولا يكون لها أعراض جانبية تضر بالاقتصاد، أو دورة المال في السوق.

ومن ذلك على سبيل المثال:

1ـ إنشاء جمعيات تقوم بتمويل شراء هذه السلع، على أن يكون الربح فيها قليلا.

2ـ إنشاء أسواق تختص بسلع العروس، وتخفض عليها الضرائب إذا كانت نسبة الأرباح فيها قليلة.

3ـ أن تجعل الجمعيات والأسواق المقترحة الأولويةَ فيها لليتيمات والفقيرات، حتى لا يزاحمهن فيها من غلب على نفوسهم الجشع، ويكون ذلك بقيام رقابة أمينة عليها.

ومما تقدم يعلم الجواب عن السؤال.

والله سبحانه وتعالى أعلم


فتاوى متعلقة:

ما حكم التأمين الشامل على السيارات ؟

حكم شراء سيارة بالتقسيط عن طريق البنك

ما حكم الشرع فيما يسمى بالعربون؟

ما حكم القروض التي تمنحها الدولة للشباب لإقامة مشروعات؟

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان