"أعز الوِلد".. جدّات يستكملن تربية الأحفاد بعد رحيل الأمهات
كتبت- مروة محيي الدين:
دائما للأمومة دور فعال في حياة الأبناء، يقول الشاعر حافظ إبراهيم في قصيدته "الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبًا طيب الأعراق"، وفي بيت آخر "الأم روض إن تعهده الحيا بالري أورق أيما إيراق"، كلمات تحمل في فحواها معان كثيرة، وحدها قادرة على إعطاءها، بمجرد أن تدب حياة الجنين في رحمها، لذا لا أحد يعوض مكانتها.
لكنّ في غياب دورهن حلّت الجَدّات بدلًا عنهن، رغم ضغوط الحياة وضيق الظروف المعيشية، إلا أنهن لم يتخلين عن أحفادهن بعد التغيرات التي طرأت على حياتهم، مُصدقات على مقولة "أعز من الولد ولد الولد".
ومع اقتراب يوم عيد الأم الموافق 21 من شهر مارس من كل عام، تسرد الجَدات حكايتهن مع أحفادهن التي تغيّرت بفضل رعايتهن واستكمال مشوار أمهاتهم.
قبل عام رحلت ابنة السيدة فوزية عبد العزيز، بعد صراع طويل مع السرطان، تركت طفلين أعمارهما لا تتجاوز الـ 5 سنوات، لتتولى هي رعايتهما، وتحمل على عاتقها مسؤولية شاقة في سن كبيرة، ورغم صعوبة ظروفها المعيشية عزمت ألا تترك الصغيرين وحاولت بشتى الطرق أن توفر لهما بيئة آمنة.
قبل رحيل ابنة السيدة السبعينية، ظلت أربع سنوات في الفراش تنازع الموت، حينذاك، كان الطفلان في مقتبل العمر، يحتاجان إلى عناية شديدة، الأمر الذي جعل الجدّة فوزية تتردد على منزل ابنتها في الشيخ زايد باستمرار، خصوصًا وقت تلقيها جلسات العلاج الكيماوي؛ لتهتم بها والصغيرين. لم يكن الأمر سهلًا، في الوقت ذاته الذي ترعى فيه أحفادها كانت تعتني بابنها من ذوي الهمم البالغ من العمر 26 عامًا.
على نفس الحال قضت فوزية أعوام إلى أن استقرت ابنتها إلى مثواها الأخير. انتقل الأطفال للعيش معها في سكنها بالمرج، تركت عملها بأحد المصانع، أصبح عليها أن تقوم بدور الأم والأب معًا، حيث أن الأب عامل بسيط، لا يقدر على مراعاتهما، تحاول تلبية احتياجاتهما "أي حاجة بيقولولي عايزنها يا تيتة زي أمهم".
تستيقظ الجدة باكرًا لتحضّرهما للمدرسة "بأكلهم وبحميهم وبوديهم المدرسة زي ابني بالظبط"، ثم تذهب لشراء متطلبات المنزل. رغم عدم التحاقها بالمدرسة إلا أنها تحرص على استكمال تعليمهما؛ تنفيذًا لوصية والدتهما قبل الوفاة، متمنية أن يصيرا ضابطين في الشرطة.
على قدر خبراتها تقدّم الجدّة للشقيقين نصائح لتحث الحفيدين على الحب والاحتواء لبعضهما "متضربوش بعض، حبوا بعض، بعلمهم اللي أمهم معملتوش"، ليطبقها الطفلان في يومهما، تحكي الجَدّة لمصراوي. اهتمّت فوزية بإضافة عنصر الترفيه إلى حياتهما، فاعتادت أن تأخذهما في نزهة أسبوعيًا إلى الملاهي.
يتعلّق الصغيران بالجدة فوزية، يفضلان الإقامة معها على والدهما، في الوقت الذي يقضيان معه بضعة أيام من حين لآخر، تذهب محمّلة في يدها بما يشتهياه. لم تعتبر فوزية أن التربية مسؤولية شاقة "احنا واخدين على التربية"، ما يعينها على تحملها أنهما لم يسببا شغب "العيال في المدرسة بيحبوهم وهم طالعين هاديين زي أمهم".
ببكاء تستعيد صورة ابنتها الراحلة عندما تشاهد احتفالات عيد الأم على التليفزيون مُتأثرة بغيابها عن أولادها في المناسبة السعيدة "العيال بيسألوني عن عيد الأم".
لم يختلف الأمر كثيرًا لدى فايزة عباس، التي تولت رعاية أحفادها الأربعة منذ الصغر، بعد أن انقلب أحوال أُسرهم، ومضى كل واحد في طريق، لتكمل المشوار وتلملم شتاتهم في بيتها.
منذ سنوات توفى ابنها، إثر انفجار أنبوبة المنزل، بعد الحادث طلبت أُمهما أن تعاود إلى الصعيد في قنا، محل سكنها قبل الزواج، حاولت الجَدّة فايزة إقناعها بأن تبقى بجوار أبنائها إلى أن يكبروا إلا أنها رفضت البقاء في القاهرة بحسب قولها لمصراوي.
تركتها الجدة لتغادر ظنًا منها أنها ستتزوج في المستقبل لصغر سنها، وأن الأطفال مسؤولية كبيرة، فيما مكث الحفيدان مع فوزية لتتكفل برعايتهما من جديد، وتزورهما الأم من آن لآخر.
ضم بيت السيدة فوزية أحفادها من ابنتيها اللذين تزوجا بعدما تُوفي زوج إحداهما، والأخرى انفصل عنها زوجها، تاركين طفلة في الصف الخامس الابتدائي، وصبي في الصف الثالث الإعدادي الذي رفض العيش مع والديه وفضّل الإقامة مع جدته "اعتبرته يتيم".
خضعت فايزة لمسؤولية شاقة بعد رحيل زوجها منذ أربع سنوات، لطالما كانت ظروفها لم تتحمل ذلك، بالكاد تسدد احتياجاتهم، لكنها لم تحسب الأمر كذلك "مش بيطلبوا حاجة ومش بيدققوا على حاجة، بيساعدوني دايما".
لم تواجه صعوبات، إنما كانت العقبة الوحيدة التي قابلتها إبعاد الحفيد الأكبر عن التدخين، في عمر المراهقة، اتخذت قرارًا حاسمًا، رفضت أن تمده بالمصروف، حتى يتوقف عنها. تقلق السيدة الخمسينية بشأن الحفيدة الصغرى، إذ تعاني من ضعف في النظر، وتحتاج إلى رعاية، رغم أن ذلك يكلفها ماديا إلا أنها تتابع مع طبيب مختص بحالتها.
منذ طفولتهم، بحلول مناسبة العيد اعتادت الجدة فوزية أن تجمعهم للذهاب إلى السوق، لشراء ملابس العيد؛ واقتناء الحلوى، تفعل كذلك في يوم اليتيم، حتى تدخل الفرحة إلى قلوبهم لتعوض غياب الآباء والأمهات.
كَبُر الأحفاد الأربعة، أصبحوا يدرسون بالمراحل التعليمية المتوسطة، باستثناء الصغرى، التي لا زالت في المرحلة الإعدادية. تقول السيدة لمصراوي أنها لم تواجه صعوبات معهم طوال فترة التربية "بنشد مع بعض لكن مش بيزعلوني".
يحب الأحفاد الجَدّة فايزة، يساعدونها في أعمال المنزل، يقدرون ما تفعله لأجلهم، يحزنون إذا مرضت ويحاولون إسعافها إلى أن تتعافى. في الصباح يتجه كل واحد إلى مدرسته وفي المساء يعودون إلى أحضان جدتهم، يتجمعون أمام شاشة التليفزيون ليقضوا أوقاتًا في كنفها كأنها الأم الحقيقية لهم.
فيديو قد يعجبك: