لماذا قد يستمر الطب عن بُعد حتى في زمن ما بعد وباء كورونا؟
د ب أ-
عندما أصيب "إلروي"، الشخصية الكارتونية في مسلسل الكارتون الأمريكي "ذا جتسونز" والذي عرض في عام 1962 وكان يتنبأ بعالم المستقبل، بفيروس "فينوس"، أسرعت والدته بالاتصال بالطبيب، الذي سرعان ما ظهر على شاشة الفيديو الموجودة في غرفة المعيشة.
وفي هذا الوقت، كان الطب عن بعد في بداياته الأولى، ولكن الواقع الحقيقي ارتبط تقريبا مع هذه الرؤية. وحتى وقت قريب، كان تأثيره محدودا بسبب المخاوف المتعلقة بالسلامة والدقة والخصوصية. ولكن معدل اللجوء له ارتفع اليوم إلى عنان السماء في ظل تفشي وباء كورونا، حيث يتحاشي الناس الذهاب إلى عيادات الأطباء خشية التعرض للإصابة بالفيروس المستجد.
وعندما بدأ تفشي الوباء، لجأ ممارسو الطب في تكثيف عروضهم الإفتراضية، عبر شبكة الانترنت، خاصة من خلال تطبيقات الفيديو مثل "فيس تايم" و"زووم"، كسبيل لتوفير الرعاية الصحية للمرضى، وأيضا لكي تستمر أعمالهم. وفي نفس الوقت، خففت الجهات الرقابية القواعد التي كانت تقيد ممارسة الطب عن بعد. ففي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، خفف المسؤولون تطبيق "قانون يتعلق بالتأمين الصحي، والذي يتضمن معايير صارمة تتعلق بالخصوصية.
وقامت برامج التأمين الصحي الحكومية، مثل "ميديكير" و"ميديسيد"، بتوسيع نطاق الخدمات التي تغطيها وبدأت في دفع مقابل الزيارات الافتراضية بنفس نسبة مقابل الزيارات المباشرة. وخلص تقرير لشركة "ماكنزي وشركاه" الأمريكية للاستشارات الإدارية، في شهر حزيران/يونيو الماضي إلى أن 46 في المئة من المرضى في الولايات المتحدة يستخدمون الطب عن بعد، مقارنة بـ 11 في المئة فقط قبل عام.
وبحسب تقرير لوكالة بلومبرج للأنباء، يتوقع محللون في هذا المجال استمرار التوجه نحو قبول الطب عن بعد، فقد يستمر فيروس كورونا كتهديد للصحة لعدة أعوام قادمة، حتى تنتشر المناعة التي توفرها اللقاحات في أنحاء البلاد. وبحلول هذه اللحظة، ربما يكون التطبيب عن بعد جزءا لا يتجزأ من النظام الإيكولوجي (الحيوي) للرعاية الصحية.
وبحسب تقديرات "ماكنزي وشركاه"، فإنه في ظل تغيرات مثل الاستغناء عن 20 في المئة من زيارات غرف الطوارئ و 25 في المئة من زيارات العيادات الطبية ، يمكن للطب عن بعد أن يشكل في نهاية المطاف حوالي خُمس إجمالي إنفاق برنامجي "ميديكير" و"ميديسيد"، والتأمين التجاري، على العيادات الخارجية وعلى الرعاية الصحية، سواء في العيادات أو بالمنزل.
وعلى مدار الجزء الأكبر من تاريخ الطب عن بعد، كان الناس يلجأون إليه في المناطق التي يصعب الوصول إليها، وفي الحالة القصوى، رواد الفضاء على متن محطة الفضاء الدولية. وكان ينظر إليه على أنه مكافأة صغيرة لمقدمي الرعاية الطبية الذين قاموا بصفة رئيسية برعاية المرضى وجها لوجه. وفي الولايات المتحدة، كان برنامج "ميديكير" الذي يغطي كبار السن والذي عادة ما يضع المعايير القياسية لهذا المجال، حجر عثرة: حيث كان البرنامج يدفع مقابل التطبيب في حالة وجود المرضى في أماكن ريفية، أو حالة ذهابهم إلى منشأة صحية محلية تربطهم، عن بعد، بالخبراء.
وعلى مدار سنوات، زاد الطلب ببطء على التكنولوجيا، وكان القدر الأكبر من المستخدمين المتحمسين من الشباب الذين اعتادوا التواصل مع الآخرين والحصول على السلع والخدمات عبر الإنترنت. وركز مقدمو الخدمات الكبار على توفير الرعاية الافتراضية العاجلة من أجل مساعدة المرضى في الحصول على زيارات فورية، غالبا مع أطباء لم يكونوا يعرفونهم. ولكن تطور هذا الاتجاه تعثر بسبب مخاوف المرضى ومؤسسات الرعاية الصحية، والأطباء من أن الطب عن بعد سيؤدي إلى رعاية ذات جودة منخفضة، ونتائج سيئة وتضارب بين التشخيص وخطط العلاج.
واليوم، وقد صار المرضى والأطباء في قارب واحد، فقد وجدوا فوائد غير متوقعة. فبالنسبة للمرضى، فإن الطب عن بعد يساعدهم في الحصول على الرعاية الطبية على نحو أسرع وأرخص تكلفة وأمانا، فهم ليسوا مضطرين إلى التخلي لوقت طويل عن أنشطتهم المعتادة والذهاب إلى عيادة الطبيب، وربما دفع مقابل ترك السيارة في مرآب، أو الانتظار بعض الوقت حتى يأتي موعد الفحص، وربما يكون الانتظار داخل غرفة مزدحمة بالمرضى.
أما بالنسبة للأطباء، فإن هذه الممارسة بمجرد تأسيسها، عادة ما توفر الوقت وتسمح لهم برعاية مزيد من المرضى، وربما تحقيق مزيد من الأرباح. وثمة مجموعة من الدلائل على أن الطب عن بعد جيد بقدر الزيارات الشخصية في كثير من أنواع الرعاية الطبية، بل هو أفضل بالنسبة لآخرين.
وبحسب دراسة أجرتها جامعة "تكساس ساوث ويسترن"، أدى الطب عن بعد إلى زيادة حصول المرضى على رعاية متخصصة، وتراجع المواعيد الفائتة في نيسان/أبريل 2020 مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي.
وفي عام 2018، أظهرت دراسة في المناطق الريفية والمناطق النائية بأستراليا أن برنامج التطبيب عن بعد الذي يربط العيادات المحلية بأخصائيي أمراض القلب في مركز حضري، زاد من معدل فحوص الأمراض القلبية بنسبة 42 في المئة في عام واحد، كما أدى إلى تراجع معدل قيادة السيارات بحوالي 300 ميل (500 كيلومتر) لكل مريض، وإلى خفض بحوالي أسبوعين في فترة الانتظار لإجراء الفحص، وأكثر من شهر لانتظار تسلم النتائج. ولكن لا تزال هناك بعض القيود.
فليس هناك ما يمكن أن يكتشف الفوارق الدقيقة التي يستطيع الأطباء تحديدها بجميع حواسهم أثناء الزيارة الفعلية. كما أنه لا يمكن القيام ببعض الأمور الأساسية، مثل الاستماع إلى دقات القلب، أو قياس ضغط الدم، عن بعد في معظم الحالات.
كما أن كثيرا من المرضى- وبينهم عديدون يمكن أن تنالهم الفائدة الأكبر- يجدون صعوبة في الوصول للطب عن بعد، فقد وجدت دراسة أعدتها "جامعة كاليفورنيا" في سان فرانسيسكو، أن واحدا من بين كل ثلاثة أمريكيين تجاوزوا الخامسة والستين، يصعب عليه التواصل عن بعد مع الأطباء، وذلك عادة بسبب عدم توافر الأجهزة الضرورية، أو الافتقار إلى المهارات التكنولوجية،.
كما يواجه المرضى من أصحاب الإعاقة، خاصة من يعانون من مشكلات سمعية أو بصرية تتعلق بالإدراك، من قيود على نحو خاص.
فيديو قد يعجبك: