محمود البزاوي: الريس صديق يُشبه "زوربا".. وعبد الله غيث ساعدني في "حرام الجسد"(حوار)
حوار- هدى الشيمي ورنا الجميعي:
تصوير: محمود أبو ديبة
استطاع على مدار سنوات إثبات نفسه، فعلى الرغم من عدم انتشاره مقارنة بالعديد من فناني جيله، إلا أنه بخطواته الثابتة وحسن اختياره وقناعته، فترك علامة واضحة في الأعمال الدرامية والسينمائية التي شارك فيها كممثل، وبأعماله التي قدمها كمؤلف، سبق واستخدمه يوسف شاهين كنموذج للممثل أثناء محاضراته في المعهد العالي للسينما، وأشاد بأدائه وتمثيله، وتنبأ له عدد من النجوم بمستقبل مشرق، وهذا العام أسر محمود البزاوي من شاهده بشخصية "الريس صديق" في مسلسل "جراند أوتيل"، فكان عونًا ومُطيّبًا لجراح وتوتر زملائه، كما شوهد كـ"عبده الكرف" في مسلسل "الكيف"، و"منصور السماحي" في الجزء السادس من "ليالي الحلمية".
حاور مصراوي محمود البزاوي، محاولة لمعرفة كواليس شخصية الريس صديق، والعملين الآخرين، كما تحدث الفنان عن دوره الذي حاز إعجاب النقاد، في فيلم "حرام الجسد"، ويعود الحوار بالزمن قليلًا لدراسته في المعهد العالي للسينما، ووظيفته كرقيب بالتليفزيون، وذكرياته مع الفنان أحمد زكي.
- قدمت شخصية "الريس صديق" في مسلسل جراند أوتيل.. فمتى عُرضت عليك الشخصية؟
كنت أعمل في مسلسل "الكيف"، ومسلسل "ليلة" مع رانيا يوسف الذي لم يُعرض بعد، وكلمني أحد العاملين على "جراند أوتيل"، وأخبرني بترشيحي للدور في مسلسل من انتاج "محمد مشيش"، وهو صديقي ولي تجربة سابقة معه، فذهبت والتقيت بهم وعندما حكوا لي طبيعة الشخصية فرحت بها جدا، وشعرت أنها تشبه الشخصية الروائية "زوربا"، ووافقت عليه، إلا أنهم طالبوني بحلاقة لحيتي، فاعتذرت لأني كنت ملتزم بها في المسلسلات الأخرى، وبعد يومين كلمت أحد اصدقائي ورويت له ما حدث، فطلب مني حلاقة لحيتي، وكلمني محمد مشيش وهو مسئول عن توزيع مسلسل "ليلة"، وقال لي "ماتحملش هم"، وعندما ذهبت لموقع تصوير مسلسل "الكيف" قابلني مخرج العمل محمد النقلي وسألني على الدور الجديد فأخبرته بكل ما حدث، ففوجئت به يقول لي "قوم احلق دقنك، وركب واحدة غيرها ونشوف إيه إللي هايحصل، وابعت لهم صورتك"، فأرسلت لهم الصورة بالفعل، وأخبرتهم بموافقتي، وبدأنا التصوير.
للشخصية أبعاد نفسية متعددة.. فكيف تمكنت من تمثيلها بهذه الطريقة؟
أخذت الحلقات تباعا، قرأت حتى الحلقة السادسة عشر، وظهرت في الحلقة الخامسة، وفي هذه الفترة تشابكت أحداث كل المسلسلات، فتوقفت عن القراءة، وأكملت تصوير بحسب خط سير الشخصيات، وكنت في ذلك الوقت قد انتهيت من تصوير المشاهد الرئيسية مع سوسن بدر.
أغلب مشاهدك في "جراند أوتيل" جمعت بينك وبين سوسن بدر.. فكيف كان العمل معها؟
دائمًا التمثيل الجيد يتوقف على الممثل الذي يشاركك الدور، وأنا كنت أقف أمام سوسن بدر، ممثلة عظيمة ومتوحشة جدا، وكان الكل يقول لي غدا "الماستر سين" معها، وكنت متوتر جدا، وهي كذلك، فلم نتحدث معا قبل التصوير، وكنا ننتهي من تصوير المشاهد من أول مرة.
مشهد للريس صديق والدادة سكينة من مسلسل جراند أوتيل:
-وهل ألقيت نظرة على شخصية رئيس الخدم في النسخ الأجنبية للمسلسل؟
لا أبدا.. قدمت شخصية صديق بمنطقه وتاريخه، بالاعتماد على كلام المؤلف تامر حبيب.
- وما وجه الشبه بين شخصيتك وشخصية "صديق البكري"؟
كانت تجربة جديدة عليّ، ولكن يبدو أن هناك شيئا لم أره، فبعد عرض المسلسل كلمني كثيرين، وقالوا لي إنهم يشعرون بأنهم يشاهدون البزاوي لا صديق، وعندما اعتذرت عن الدور، سألت عمرو يوسف ومحمد ممدوح عن سبب إصرارهم عليّ، فأجابوني بأن علاقتهم بي تشبه إلى حد كبير علاقة علي وأمين بالريس صديق، وأني الشخص الذي يلجآن إليه في حل المشاكل، ويضحكا معه، وبعدم تقديمي للدور سيكون هناك مشكلة.
- وهل توقعت نجاح شخصية "الريس صديق" لهذه الدرجة؟
على الإطلاق.. لم أتوقع أن تحقق الشخصية كل هذا النجاح، فمثلًا في "ظرف أسود" كان حجم الدور أكبر، وقدمت مشاهد أكشن ودراما، وكان فيه قبل ذلك شخصيات حققت نجاح مثل طه القناوي في فيلم "همام في إمستردام"، وشخصيتي في فيلم "الهروب"، ولكن رد فعل المشاهدين تجاه شخصية "الريس صديق" كان مختلف تمامًا.
- في رأيك.. لماذا حققت الشخصية هذا النجاح والانتشار؟
يمكن لأن الناس مفتقدة لوجود هذا الشخص في حياتهم، الشخص الذي يلجأون إليه ويثقون فيه، ويتحدثون معه وهم مغمضين أعينهم.
- خلال أحداث المسلسل توقع العديد من المشاهدين إن شخصية "صديق" سيكون لها علاقة بالأحداث الدائرة في الجراند أوتيل.. فما تفسيرك لذلك؟
هذا طبيعي في المسلسلات التي تنتمي إلى هذا النوع، أن المشاهد يملك حدس دائم بأن شخصية مثل صديق تعمل مع البوليس، أو مثلا هو قاتل ضحى، أو له إرث عند أدهم بك حفظي، يرغب في الاستيلاء عليه، وهذا في الحقيقة جمال هذا النوع.
-يعد"جراند أوتيل" من بين أكثر المسلسلات نجاحًا في الموسم الرمضاني السابق.. فلماذا حقق هذا النجاح والانتشار؟
يحتاج المجتمع عدة عوامل لكي يتابع عمل ما، ومجتمعنا حاليا تسمم من كم الأخبار السيئة والأحداث الكثيرة والبرامج الحوارية المتعددة، فهو لا يعلم من مع من، ومن ضد من، وأصبح التفكير في الحلول أقرب للعنف، بمعنى أن الحل الأسلم "إني اطلع مدفع رشاش وأفرغه في أي مكان"، لكن في "جراند أوتيل" حاولنا عمل ثبوت وتقوية للأحاسيس والمشاعر، المسلسل به حالة ذكاء وتحايل ومليون ألف حل قبل اللجوء إلى العنف، مع الإثارة والتشويق في الأحداث، فلا يوجد حلقة واحدة مملة، يوميا يوجد حدث له تفاصيل كثيرة.
-وهل كانت الأجواء في كواليس المسلسل تظهر كما حالة الانسجام على الشاشة ؟
كان بيننا حالة من الألفة، نفهم بعض من مجرد النظر، فساعد ذلك على توصيل الإحساس للمشاهدين وجعلهم يشعرون بأن فلان يحب فلانة، أو فلانة تميل لفلان، وشعرت داخل العمل بحالة ممتعة سببها المخرج، لأنه يشبه الروائيين في عمله، فكنا نشعر بأنه يكتب لا يصور فقط، ووضع لنا خط أداء ناعم نسير عليه، وأوصانا ألا نتجاوزه أو نقل عنه.
-عملت رقيبًا بالتليفزيون المصري، واستقبلت أعمالًا مثل "ليالي الحلمية"، وهو المسلسل الذي اشتركت فيه هذا العام، فما الفرق برأيك بين الزمنين، ولماذا لم يحقق نجاح الأجزاء السابقة؟
شكل المجتمع الآن وظروف المتلقي أصبحت لها مفردات وآليات وتحايلات مختلفة عن الموجودة أيام أسامة أنور عكاشة، وغالبا إذا كان موجود الآن وطُلب منه كتابة جزء سادس لرفض، لأن اللغة لن تسعفه، حيث كان يعيش في عالم مرتاح ومفتوح وكان طرف فعال فيه، أما عالمنا الآن أصبح مختزل جدا، ورقمي، يفهمه أيمن بهجت قمر وعمرو ياسين، ويعيشا بداخله، يعلمان شكل الشباب والمواطنين في الحلمية، ويعرفا كيف يفكر أهلها، ومع ذلك كان هناك شيء غير موفق في العمل لا أعرف ما هو، ولكني أرى أنه من حق أي شخص إعادة أو كتابة أو إكمال أي شيء نُفذ من قبل، ولكن بشرط أن يقدم جديد.
- ألم تندم على مشاركتك في المسلسل بعد الانتقادات التي وجهت له؟
لا أبدا.. بالعكس أضاف لي، فحياة الممثل تشبه ألبوم الصور، عندما يفتحه ويشاهده يرى إنه قدم هنا دور ضابط، وهنا حرامي، وهنا معلم.
قدمت بشخصية "عبده الكرف" في مسلسل "الكيف".. فكيف أعددت نفسك لها خاصة وإنها قُدمت من قبل في الفيلم السينمائي؟
سلمت نفسي لتفاصيل الشخصية التي يقدمها لي المؤلف، أتناقش مع المؤلف واقترح عليه بعض النقاط، ويقترح هو علي أفكار أخرى، ونتفق أو نختلف.
وهل أزعجتك المقارنة بين المسلسل والفيلم؟
إطلاقا.
- أشاد الكثير من النقاد بشخصية "حسن" في فيلم حرام الجسد.. فكيف كانت كواليس العمل على الدور؟
أحببت شخصية حسن جدا، وكان حلم من أحلام حياتي العمل في فيلم من إخراج يوسف شاهين، خاصة وإنه أستاذي وكان يُدرس لنا في المعهد، "لكن ماحصلش نصيب"، ثم كلمني جابي خوري من شركة أفلام شاهين، وحدثني عن الشخصية وأعجبتني جدا، وللأمانة استحضرت شخصية عبدالله غيث في فيلم "الحرام"، وحاولت العمل على تفاصيل الشخصية، فهو رجل مصاب بمرض السكر، متزوج من فتاة أصغر منه، يعمل غفير، فكرت كيف سيكون شكله، كيف سيدخن سجائره، كما أن "حسن" من الشخصيات التي قابلتها في حياتي من قبل، فأثناء فترة طفولتي في المحلة الكبرى، كان هناك غفير يُدعى "حسن" أسميناه "حسن المغنواتي"، لأنه كان يغني المواويل في الليل، وكان متزوج فتاة أصغر منه، "وكنا بنروح نعاكسه".
-نعود لوظيفة الرقيب بالتليفزيون، ما هي المدة التي استمريت فيها بالعمل، وكيف ترى أعمال الدراما التي راقبت عليها الآن؟
ظللت أعمل بالرقابة مدة ثمان سنوات، كنت أعتبر تلك الوظيفة "فترة علام"، مرّ عليّ أعمال أسامة أنور عكاشة، ومحمد جلال عبد القوي ومحسن زايد، قرأت لكل هؤلاء وأكثر، وتعلمت منهم الصح والخطأ "وكنت بقرالهم الصح بس مفيش حاجة غلط كتبوها"، كانوا فوق مستوى الرقابة، يعرفون جيدًا كيف يقولوا ما يريدون، دون الوقوع في فخ المباشرة أو الإسقاط الرخيص "فيه تحايل فني عظيم"، وخلال هذه الفترة رفضت ما لم يتوافق مع السياق العام للمجتمع.
-ألفت مسلسل الريان مع حازم الحديدي.. ورغم أنها ليست المرة الأولى التي يقدم فيها عمل عن الريان لكنه ظهر بشكل إنساني ومختلف.. كيف حدث ذلك؟
اعتمدت أنا والحديدي على ثقافتنا بأسامة أنور عكاشة في الشهد والدموع، وليالي الحلمية، وكتبنا شخصية الريان بهذه الإنسانية لأن أيامه كانت الناس تراه بشكل جيد، ولأنه يجب ظهوره بشكل تدريجي كحرامي وليس بشكل مفاجئ، وحتى يعي المشاهد أن لديه العبقرية بقدر الشر الذي امتلكه.
- حققت نجاحا كمؤلف للعديد من الأعمال.. فهل تود كتابة عمل جديد يتناول الحالة السياسية أو الاجتماعية لما يحدث في مصر الآن؟
أرى أن الكتابة عما يحدث حاليا سابق لأوانه، المُجتمع الآن لا يحتاج للمنفعلين وأصحاب الآراء المطلقة، ولا الجهلة، أما ما أوّد تأليفه فيجب أن يكون موضوعه هو الابتكار في فكرة الأمل، وألا يُسيطر علينا الإحباط، كذلك فكرة البحث والتعب ليتمكن الشخص من النجاح.
-أخرجت عدد من المسرحيات أثناء دراستك.. فلماذا لا تخرج مسرح الآن؟
نفذت كل التجارب الممكنة في المعهد ولاقت نجاح، "كنت باخد النص الأدبي لشكسبير وأعمله معالجة عشان يناسب الناس"، لكني أرفض المسرح الآن، لا أرغب سوى في القيام بأعمال مختلفة أقدمها للناس، فالمسرح حاليًا له نجومه المختلفين عن نجوم السينما، "وأنا نفسي أجيب أحمد عز مثلًا يعمل المسيح يُصلب من جديد، وأجيب السقا يعمل هاملت، ومحمد ممدوح يعمل ماكبث"، كيف أقوم بهذا في المسرح القومي وأجور ممثليه 200 جنيه، أرغب في عمل مسرحية ليوليوس قيصر مثلًا بالأوبرا "وأجيب عز يمثل"، وأستعين بباليه وأوركسترا الأوبرا "ليه منعملش دا؟، وعمر خيرت بيعمل حفلات موسيقى بس وتذاكره بتخلص بسرعة".
مشهد من فيلم همام في امستردام:
-لم تقم بأدوار بطولة إلا فيما ندر ومعروف لدى المشاهدين ببعض أدوارك، مثل قناوي في فيلم "همام في أمستردام".. ألا يُضايقك ذلك؟
لا أبدًا، "دا زي الفاكهة العزيزة كدا"، في فترة كنت أشتغل كثيرًا، لرغبتي في إن أكون مبسوط ومرتاح ماديًا ونفسيًا، لكن لم يحدث ذلك، أما الآن فأنتقي أدواري، وأمتع ما يكون بالنسبة لي حاليًا أن خطواتي ليست متلاحقة "اللي يشوفني من فترة للتانية يقول الله ويصقف لدور حلو"، وأنا أريد الاستمتاع بهذه اللحظة، أكثر ما يُفرحني أيضًا لمّا أجد مقال كُتب عني "ويكون اللي كتبه ميعرفنيش ومالوش أي مصلحة"، وسعدت جدًا حينما كتبت عني زوجة الكاتب الراحل جمال الغيطاني، وجدتها نشرت عني في روز اليوسف "مقال قصيدة شعر"، ورغم إني كنت أعرف الغيطاني الله يرحمه، لكن لم أقابلها يومًا، اتصلت بها وقالت لي إنها أول مرة تكتب في مجال الفن، "فيه حاجة أكتر من كدا الواحد يحتاجها؟".
-البعض رأى في اهتمامك بالتفاصيل، أشبه بروح أحمد زكي.. فما رأيك بذلك؟
نعم أرى تشابه، لكن الفرق بيني وبين زكي إنه ممثل بالفطرة، أما أنا فكنت أرغب في التمثيل، تلك الرغبة الشديدة جعلتني على العكس "تمثيلي وحش"، ورغم إني قدمت بطولة فيلم اسمه "يا ناس ياهوه"، مع المخرج عاطف سالم، وكان البطل "كاراكتري وشخصيتي وكل حاجة"، لكن لم أمثل بشكل جيد فكان فيلم سيء جدا، واتذكر يوم العرض الخاص بكيت، وكان أحد زكي بين الحضور، وعندما رآني قال لي وقتها "دا لا يمنع إنك هايل وهفكرك كمان عشر سنين"، وعندما قابلته بعدها في فيلم "الهروب"، و"قالي انت قربّت".
فيديو قد يعجبك: