نصر الدين طوبار.. العظمة في ابتهال (بروفايل)
كتبت - نيرة الشريف:
إذا كانت هناك أصوات تصعد بك إلى السماوات أو تجعلك تستمع إلى حفيف أجنحة الملائكة وأنت في مكانك وتفتح لك عين البصيرة لترى بقلبك وتسمع وتشعر به فمؤكد أن نصر الدين طوبار واحدا من هذه الأصوات.
تستطيع حتما أن تتأكد من هذا إذا استمعت منه إلى ابتهال ''بك أستجير'' وهو يقول بصوت هادئ مطمئن ''بك أستجير فمن يجير سواك ..فآجر ضعيفا يحتمي بحماك''، ليلاحقك الشيخ بعدها بقوله ''أذنبت يا ربى وآذتني ذنوب مالها من غافر إلاك ..دنياي غرتني وعفوك غرني ما حيلتي في هذه أو ذاك''.
أو عندما يقول في مدحه للسيدة فاطمة الزهراء فيبدأ بصوت رقيق ناعم ''بقيت على طول المدى ذكراها'' ويضيف بصوت يملئه الفخر والعزة ''هي بنت من ؟ هي زوج من؟ هي أم من؟'' لتشعر أنت بقول ''سرى طيف من أهوى فأرقني والحب يعترض اللذات بالألم '' يملأ جنباتك ويتردد في أذنيك.
لقب البعض الشيخ، الذي يعد صوته أحد العلامات المميزة للإذاعة المصرية، وللشهر الكريم، بأنه كروان الإسلام ذو الصوت الملائكي، و لا اختلاف علي ملائكية صوته الذي يعرف كيف يبكيك وكيف يجعلك تشعر بالتضاؤل، وأين يجعلك تشعر بالفخر وكيف يُشعرك بالحنين الغامر لخالقك وكيف يُحملك علي الاعتراف بذنوبك وكيف يجعل روحك ترتقي عن كل شوائبها ونقائصها وتصعد لمكان أرقي وأطهر.
ولد نصر الدين طوبار عام1920 في محافظة الدقهلية، وفي طفولته اكتشف والده جمال صوته، فقرر تحويله من المدرسة الخديوية إلى المدرسة الأولية ليتعلم اللغة العربية ويحفظ القرآن الكريم، وبعد أن أتم حفظ القران الكريم ذاع صيته في مدن وقرى محافظة الدقهلية، ونصحه كل من استمع إليه أن يتقدم لاختبارات الإذاعة ليخرج صوته إلى الملايين ،وظل أصدقائه يلحون عليه ألا يكتفي بالقراءة في البيت وسرادقات المعارف في المناسبات، إلى أن تقدم بالفعل للإذاعة وتقدم لاختبار أصوات قراءة القرآن والإنشاد الديني لكنه رسب خمس مرات متتاليات، حتى ضجر، إلا أن إصرار من حوله لاقتناعهم بصوته دفعه إلي دخول الاختبار للمرة السادسة فرسب أيضا وفي المرة السابعة كللت مجهوداته بالنجاح والتحق بالإذاعة عام 1956.
كان وقتها الشيخ يواصل الدراسة مؤكدًا أن الابتهال أو الغناء ليس مجرد صوت حسن، بل هو تدريب صوتي على القراءة الصحيحة المتمكنة لفترات طويلة، حتى تكللت مجهوداته بالنجاح بعد جهد شاق ،ونتيجة هذا الجهد أكتسب الشيخ مقدرة فائقة في القراءة بفضل العلم الذي كان يحصله وبقربه من المشايخ الكبار أمثال ''مصطفى إسماعيل'' و''علي محمود'' وإلمامه بعلوم اللغة العربية، وقدرته على تجسيد المعاني واختيار المقامات الموسيقية الملائمة لها فكان ينتقل بين المقامات بحرفية تامة فيختار المقام الذي يناسب حالة الحزن الشديد والذي يختلف عن المقام الذي يناسب حالة الوجد أو حالة التضرع والرجاء.
جاب الشيخ نصر الدين طوبار العديد من دول العالم، وغنى على قاعة ''ألبرت هول'' بلندن وذلك في احتفال المؤتمر الإسلامي العالمي ونال الشيخ إعجاب كل من استمع إلى صوته في البلاد التي زارها، فكتبت عنه الصحافة الألمانية قائلة''صوت الشيخ نصر الدين طوبار يضرب على أوتار القلوب''، كما كرمته كل الدول التي زارها إعجابًا وتقديرًا لصوته العذب.
وفي عام 1977 اخترق الشيخ بصوته أجواء بيت المقدس يوم أنشد في حفلة بالمسجد الأقصى من حيث أسري برسول الله - صلي الله عليه وآله- فقد اصطحبه الرئيس الراحل أنور السادات في رحلته إلى القدس، وكان بصحبته أيضا الشيخ مصطفى إسماعيل وعبد الباسط عبد الصمد وشعبان الصياد، وكان ذلك أول أيام العيد، فأقام الشيخ صلاة العيد بالمسجد وكان يكبر للعيد بنفسه بينما يردد بعده المصلون بالمسجد الأقصى.
وفي السادس من شهر نوفمبر عام 1986صعدت روح الشيخ إلى بارئها بعد رحلته مع كتاب الله وبعد ما قدم ما يقرب من مائتي ابتهال متع بها الآذان وأرتقي بالأرواح وأثري بهم مكتبة الأناشيد والابتهالات الدينية.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: