محمد الموجي.. ناظر الموسيقي - ( بروفايل )
كتب - حسين الجندي :
هل يمكن أن تتحول من رجل يهتم بالأرض الزراعية والمحصول الي رجل يُقدم للموسيقي العربية تنوعاً فنياً هائلاً ؟ .. وهل يمكن أن تتحول من شخص مهتم بالفلاحة الي موسيقار يُلحن لكبار المطربين في الوطن العربي ؟ .. هذا بالفعل ما فعله الموسيقار الكبير محمد الموجي، الذي ولد في يوم الرابع من مارس لعام 1923 بقرية بيلا بمحافظة كفر الشيخ .
رتبة لا يعرف قيمتها الي من عاش وسط الأراضي الزراعية، أو أقترب ميلاده من الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، بدأت الحكاية عندما أراد والده محمد أمين أن يجعله ناظراً للزراعة في البلدة الصغيرة، الا أنه عمل فيها لعامين بعد تخرجه من دبلوم الزراعة، وهو في الحادية والعشرين من عمره.
كانت كل التوقعات تشير الي أن الموجي سيُصبح أهم ناظراً للزراعة، ولكنه كسر الحواجز ليُخرج الموهبة الربانية الي الملايين من عُشاقه، ويصبح "ناظراً للموسيقي"، ويتهافت عليه المطربين الكبار من أجل أن يقوم بالتلحين لهم.
ظهرت موهبة الموجي وقت أن كان صغيراً، وكان يسمع الحان الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب، ومنير مراد وغيرهم، بالإضافة الي سماعه للأسطوانات التي يمتلكها عمه، مستخدما جهاز الجراموفون، وامتلاك والده الي آلة عود كان يعزف عليها من حين لآخر، وفي هذا الجو الفني نشأ محمد الموجي واحب الغناء والموسيقى منذ صغره.
كانت انطلاقته الحقيقة عندما استقال من عمله، وترك كل شيء في بلدته من اجل الموسيقى والغناء، وجاء الموجي إلى القاهرة واستقر في شقة شقيقته، وظل حتي نهاية الاربعينيات يُغني في الملاهي الليلية واضعاً امامه هدفاً واحداً، وهو أن يُصبح مثل عبد الوهاب.
كان دائماً يستعين بصديقه الملحن فؤاد حلمي، الذي كان وقتها طالباً في معهد فؤاد الأول للموسيقي العربية، وكان يزوره للتزود بالمعلومات الفنية والموسيقية التي تُنمي موهبته، وظل على هذا الحال لمدة ثلاث سنوات، وساعده احد أصدقائه للتقدم في امتحانات الاذاعة كمطرب وملحن، وقام بغناء قصيدة لمحمود سامي البارودي ولكنه لم ينجح، ثم عاود بعدها وقدم كملحن فقط ونجح، ومن هنا بدأ يُلحن لعدد من المطربين منهم كارم محمود ومحمد قنديل.
كان يسير الموجي في احدي شوارع منطقة إمبابه مع صديقة سمير محبوب، وكانت احدي المحطات الإذاعية تقدم اغنية للعندليب، فتوقف وظل يسمعه الي ان جاء اليوم التالي وهو ذاهب الي الاذاعة، وطلب من حافظ عبد الوهاب، ان يقابل عبد الحليم وبالفعل قابله وبدأت الصداقة القوية التي قدموا من خلالها عدد كبير من الاعمال الفنية، التي انتقلت بعبد الحليم الي الشهرة.
راوده طموحه في أن يقابل كوكب الشرق أم كلثوم، ولكنه لم يحاول مقابلتها مثل ما فعل مع عبد الحليم حافظ، الي أن جاء اللقاء الصعب الثاني في تاريخ الموجي، عندما طلبت أم كلثوم بنفسها مقابلته بعد أن سمعت ألحانه مع عبد الحليم، ووقتها صابه الذهول ولكن بذكائها ولباقتها استطاعت ان تذيل الرهبة من داخله واصبحوا أصدقاء.
وفي منزل أم كلثوم التقى الموجي بالعملاقين، الشاعر أحمد رامي والموسيقار محمد القصبجي، وكان الموجي يخشى هذا اللقاء ويتمناه في الوقت نفسه، وقد خرج منه أكثر ثقة في نفسه، وهو نفس اللقاء الذي انتهى بوعد من كوكب الشرق لتلحين "انشودة الجلاء"، ووقتها قدم معها عدد كبير من الاعمال منها "محلاك يا مصري، الاقدار، للصبر حدود".
لم يقتصر الموجي في تقديم ابداعاته للعندليب الاسمر أو كوكب الشرق أم كلثوم، ولكنها امتدت لتصل الي كبار المطربين الأخرين، فقد التقى أيضاً مع المطربة فايزة احمد التي قدم لها العديد من الأغنيات الشهيرة، أبرزها: "أنا قلبي إليك ميّال، ياما القمر ع الباب، بيت العز، حيران، تعالالي يابا"، بالإضافة الي تلحين عدد كبير من الأغاني للراحلة وردة، مثل "أكدب عليك"، وللمطرب محرم فؤاد مثل "الحلوة داير شباكها، والنبي لنكيد العزال"، ومحمد قنديل "يا حلو صبح يا حلو طل"، و"دنشواي" لهاني شاكر.
فقدت الحياة الموسيقية والعربية نجماً ساطعاً في سماء الفن، في الاول من يوليو 1995 بعد أن قدم لنا اجمل الالحان واعذبها.
فيديو قد يعجبك: