في حضرة فيروز.. "إديش كان في ناس"
كتبت- هدى الشيمي:
في سماعك لأغنية بإحدى الحفلات من صوت مغنيها، تنظر إليه وتشعر بشجنه وترى عينيه تنظران إليك، وتستمع للموسيقى فتتسلل إلى روحك، حتى يمتلئ جسدك بالنغمات، شعور مختلف تماما عن الاستماع إليها على الهاتف أو عبر الراديو والتليفزيون، وبالنسبة لعشاق ومحبي فيروز فرؤيتها والاستماع إليها على المسرح حلم صعب المنال، خاصة الشباب وابناء أجيال لم تشهد سوى حروب والنزاعات وحكام مستبدين، يتمسكون بصوتها ليكون قارب ينقلهم لبر أكثر أمانا، أو ينسيهم وحشة الليل، علّهم يطفئوا بصوتها حرقة الأشواق.
إديش كان في ناس
في ديسمبر عام 2011 تمكنت منة حسام الدين من حضور حفلة للقيثارة، إلا أن الأمر حدث بالصدفة، فقبل الحفل بأيام تحدثت لصديقة لبنانية أخبرتها إنها لديها تذكرة إضافية للحفل، فمازحتها قائلة "أجي معاكي"، ولكن الصديقة أصرت على حضورها وأخذت كلامها بمحمل جد، ففكرت منة، كيف يمكن أن يكون لديها فرصة للذهاب وحضور حفلة لفيروز فتضعيها، حاولت اقناع والدها، تحدثت إليه وسألته إذا كان حضر حفلة لأم كلثوم من قبل، فأجاباها بالنفي، فقالت له: "أنا أقدر أحضر حفلة لفيروز، ويجي يوم أقول لأولادي إني حضرت حفلة لها"، فوافق وكانت الرحلة التي استمرت ثلاثة أيام، بدأت الخميس وانتهت السبت.
فيروز.. انسى كيف:
في المطار التقت منة بصديق لها، قال لها إنه مسافر للبنان على أمل حضور الحفل، على الرغم من عدم امتلاكه لدعوة، ولم يكن ذلك الصديق الوحيد المسافر حاملا نفس الأمل، ففي ذلك اليوم كانت الطيارة ممتلئة بأشخاص جمعهم حب فيروز.
على قمة جبل عالي، وجو ممطر، ومكان مزدحم، ومسرح فخم واسع يتسع لأكثر من ألفي شخص يجلسون بعضهم خلف بعض بدون حواجز، أكثرهم من الشخصيات العامة أقيم الحفل، فكان أول الحفلات التي قدمتهم جارة القمر في شهر ديسمبر، تقول منة: "المشهد كله حسيت وقتها إنه لايق على فيروز". وكما يقال إن الشهرة تقيد صاحبها، امتلك الجمهور العادي امكانية التعبير عن حماسه والذي بدى أمام منة أقوى.
فصل بينها وبين فيروز وهي تعتلي المسرح أمتار قليلة جدا، ولكنها من شدة الفرح لم تستطع استيعاب اللحظة إلا بعد الخروج منها، عندما ظهرت القيثارة على المسرح انقطع النفس، فمن يريد الاستماع لأي شيء وهو في حضرتها، يراها أمامه ويتمكن من الاستماع إليها دون أي حاجز."
لسفيرة النجوم عادات على المسرح، ففي البداية تغني فيروز ثلاث أغاني ثم ترتاح بضع دقائق وتعود مرة أخرى، تلك العادات تعرفت عليها "منة" عند حضورها للحفل، والتي يحفظها ويعلمها المواظبون على الحضور عن ظهر قلب، كما علمت أنها معتادة على ختام الحفلة بأغنية "صار لازم ودعكن"، ولكن ذلك بعد مطالبة الجمهور، فبعد الانتهاء من الغناء، يقف الجمهور ويركل الأرض بقدميه، وينادي باسمها فتعود وتغني الأغنية، تقول منة إنها "كانت ترغب في الاستماع لهذه الأغنية بالتحديد، فقالت لها صديقتها إنها ستعود وتغنيها وهذا ما حدث بالفعل."
أغنية الوداع:
غنت فيروز خلال الحفل أغاني مسرحيات لا تعرفها "منة" ولا يعرفها الكثير من المصريين، لذلك لم تكن على قدر النشوى والفرحة، لأنها كانت ترغب في أن تغني كل أغانيها المعروفة والتي تفضلها الفتاة شخصيا، ولكن أرشيف فيروز الكبير والممتلئ بمختلف الأغاني يفرض عليها تقديم مجموعة متنوعة، إلا أن حالة الطرب في الجزء الثاني من الحفل تملكت من كافة الحضور، حيث قدمت مجموعة من الأغاني المشهورة والمعروفة وخاصة من ألبوم "إيه في أمل".
إيه في أمل:
بعد انتهاء الحفل استرجعت "منة" كافة تفاصيل التجربة، ولم تتمكن من تصديق إنها رأت فيروز فعلًا، وأنها اقتربت لهذا الحد من فيروز "الحلم والتاريخ"، خاصة وإنها في هذه الحفلة أمسكت برق وتمايلت على النغمات. عندما عادت الفتاة ظلت محتفظة بالدعوة والتي اتسمت بالفخامة، وأعطتها لصديقة، وقالت له "معرفتش تروح يمكن التذكرة يبقى وشها حلو وتعرف تروح الحفلة الجاية."
فيروز 1999
تمكّن أنجلو مايكل، طبيب الأسنان اللبناني، من حضور حفلة مهرجانات بعلبك عام 98، وكان هذا العام الأول الذي يشهد عودة المهرجانات بعد الحرب الأهلية، كان باللجنة المنظمة للمهرجانات فرع الشباب، وبلغ من العمر آنذاك عامه السابع عشر، فكان ينظم المقاعد ويستقبل الحضور.
وبالصدفة، استطاع حضور الحفلة، حيث حصل على أربع تذاكر هدية، فذهب للحفل برفقة والديه وصديق والده، واعتبر نفسه محظوظا لانتهاء التذاكر منذ أشهر، وزاد عدد الحضور عن 6000 شخصا.
سألوني الناس
كان ذلك الحفل الأول لأنجلو، ولم يكن مقدرا لأهمية الحفل أو اللحظة، إلا أنه لاحظ حماسة وشغف الكبار، فهم أمام صرحين كبيرين فيروز وقلعة بعلبك، طلت فيروز على جمهورها بالأبيض، وغنت "بعلبك أنا شمعة على دراجك" خلفها صورة لرفيق كفاحها ومشوارها عاصي الرحباني، فبكى الحضور، حتى الرجال، واستمرت حالة القشعريرة لفترة طويلة، و"الجمهور جن جنونه"، عجزوا عن النطق، وتعجبوا من قدرتها على الحركة وروعة صوتها، فكانت كالفراشة المنتقلة من زهرة لأخرى بالنسبة لعمرها، وتحركها على درجات المسرح.
بعلبك أنا شمعة على دراجك
قدمت القيثارة في هذا الحفل مجموعة من الأغاني من مقاطع المسرحيات التي قدمتها ببعلبك من قبل، وقدمت إهداء لعاصي قالت فيه "رجعت عبعلبك من بعد عشرين سنه اسأل عنك ما فيه مين يدلني، لا تقول منّك هون بعدو عَ الدراج خيالك.. وبعدا طايرا فيك الدني"، ورافقها على البيانو نجلها زياد رحباني، فغردت بأغاني من مسرحية "لولو" و"هالة والملك"، "جسر القمر"، "جبل الصوان"، و"ناطورة المفاتيح".
سكن الليل
ومع تدهور الأوضاع وسوء الأحوال الاقتصادية والسياسية حول العالم، وسيطرة مشاعر القلق على الجميع، ما يزالوا محبيها منتظرين أي طلة منها، فيزيد حماسهم ويصل الدم لأدمغتهم عندما علموا بأنها ستصدر ألبوما قريبا، ويثوروا ويفرحوا عندما تنشر ترنيمة في عيد الميلاد، فالنظر للقمر دائما يبعث بالراحة داخل النفوس، والسماع لجارة القمر كفيل بتهدئة الأرواح، ونشر السكينة.
فيديو قد يعجبك: