فيلم "تمساح النيل".. أن تكون عبد اللطيف أبو هيف "أبو روح حلوة"
كتبت-رنا الجميعي:
سيستقبلك بابتسامة واسعة تُوضّح سماحة روحه، مُتحدثًا بنفس السماحة عن الموت داخل المياه التي قضى فيها أغلب عُمره، ويقول لك "قبل ما يبقى فيه "تيك أوف"-يقصد الموت- لازم تكون مرح"، بذلك المبدأ عاش السباح العالمي عبد اللطيف أبو هيف طيلة حياته، وهي الفكرة الأساسية التي ارتكز عليها الفيلم الوثائقي "تمساح النيل"، للمخرج نبيل الشاذلي.
لم يمرّ بالفيلم الذي عُرض بمهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ42، أي لحظات ثقيلة سوى البداية التي سجّلت جنازة أبو هيف عام 2008، باستثناء ذلك فقد امتلأ الفيلم بدفقات من روح أبو هيف المرحة والودودة، حيث أعاد مخرج الفيلم أبو هيف ثانية إلى الحياة، فعلى مدار 62 دقيقة هي عمر الفيلم كان السباح العالمي يتحدث بنفسه إلى المخرج مُستخدمًا اسم الدلع الخاص به "يا بلبل".
وقد جمعت صداقة بين أبو هيف والشاذلي، كما تحدث المخرج في ندوة الفيلم، تلك الصداقة الطويلة أثمرت ذلك الفيلم الذي قام الشاذلي بتصويره عام 1990، وبدأت صداقة الرجلين من خلال مساعدة أبو هيف للمخرج في هجرته إلى كندا.
مساعدة الآخرين كانت جزء أساسي من شخصية أبو هيف، كما يوضح الفيلم، فبجانب إنجازاته في السباحة كبطل عالمي حاز على اللقب خمس مرات، فقد اتصف بحُب الناس وعدم البخل، حتى أنه تخلى عن جائزته لسباح إنجليزي حينما عبر بحر المانش لأول مرة عام 1955، وقتها علم أبو هيف أن السباح الإنجليزي لديه سبعة أولاد، وبدون افتعال تخلى أبو هيف عن جائزته لذلك السباح.
الإخلاص في العمل أيضًا كان من صفات أبو هيف، فقد تحدّث السباح بنفسه عن لقاء جمعه بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وكان بصحبته في ذلك اللقاء سباحين مصريين آخرين يحتفي بهم الرئيس، وحينما سأل ناصر عن رغبة كل شخص فيهم، كانت إجابة السباحين المصريين هي امتلاك عمارة والذهاب إلى العمرة، أما أبو هيف فقد كانت إجابته رغبته في الدراسة إلى الكلية العسكرية في لندن، وقد حكى أبو هيف ذلك خلال الفيلم مُعقبًا بابتسامة واسعة "في الآخر كل واحد طلب اللي هو عايزه".
أحبّ أبو هيف السباحة مُتأثرًا باللاعب الأولمبي والممثل جوني فايسمولر الذي اشتهر بتقديمه دور طرزان، وبسبب سلسلة الأفلام تلك رغب أبو هيف في السباحة، وبدأ في تعلمها في عمر الثماني سنوات، وصار بطل إسكندرية في عمر العشر سنوات، وبدأت مسيرته العملية في سن صغير، حيث تُوّج بطلًا محليًا على مدار 10 أعوام.
بجانب لقاءات أبو هيف اعتمد الفيلم على حوارات مع المقربين منه ومن مشواره العملي، من بينهم المدرب الأجنبي الذي صاحبه على مدار سنوات طويلة، وطفرت عيناه بالدموع حينما أخذ في تذكر أبو هيف قائلًا "كان الشيء الوحيد الذي لم نفعله سويًا هو الصلاة".
أما زوجته فقد تحدّثت عن كيفية مساعدتها له على مدار مسيرته العملية، من ضمنها حرصها على دهان جسده بالشحم كمادة تحميه من البرد القارس لبحر المانش، وقد عُرف عن أبو هيف تحديه للبرد القارس الذي هزم عديدين غيره.
سماحة نفس أبو هيف تجلّت أيضًا في أمور كثيرة، من بينها تقاسمه جائزته أكثر من مرة مع سباحين آخرين، دون غضاضة منه، ولم يكن أبو هيف يطلب لنفسه أي شيء، برغم من ذلك فقد تمت تسمية شاطئ باسمه في الإسكندرية، وكذلك أحد شوارعها، والتقطت عدسة الكاميرا مروره في الشارع، حينها علّق ضاحكًا "أنا مش عايز الشارع يبقى باسمي، بس على الأقل الشقة اللي ساكن فيها تبقى مِلك".
في أيامه الأخيرة بالمستشفى كان أبو هيف يقول ضاحكًا لصديقه المخرج "ايه يا بلبل، انت عايز تعمل الفيلم بعد ما أموت وتكسب فلوس كتير". ندِم الشاذلي كثيرًا على عدم تمكّن أبو هيف من رؤية الفيلم قبل موته، تعثّر الفيلم عشرين عامًا بسبب صعوبة الوصول إلى أرشيف السباقات العالمية التي شارك أبو هيف فيها، وخلال ندوة الفيلم ختم الشاذلي حديثه "بندم إنه مشافش الفيلم قبل وفاته، هو وصّى إنه يتدفن في إسكندرية، وأنا أنهيت الفيلم في اسكندرية".
فيديو قد يعجبك: