إعلان

حوار| مخرج الفيلم السوري المُرشح لـ"الأوسكار": كان كابوسًا وتلقيت تهديدًا بسببه

04:17 م الإثنين 04 فبراير 2019

حوار- منى الموجي:

متحديًا كل المخاطر التي قد تهدد حياته، ومتحاملًا على نفسه في تقبل ما لا يؤمن به والتظاهر بالاقتناع التام، اقترب المخرج السوري طلال ديركي من صفوف إحدى الجماعات الإسلامية في واحدة من المناطق المحفوفة بالدم والنار، أملًا في أن يصنع قطعة فنية مميزة، علّها توقظ شعوب دول أخرى حتى لا تنحدر لدائرة العنف والقتل.

اقتحم طلال ديركي في ثان أفلام ثلاثيته "سوريا والحرب"، والذي حمل عنوان "عن الآباء والأبناء"، عالم عضو بارز في إحدى التنظيمات الإسلامية بسوريا، يحلم بتأسيس خلافة إسلامية، لديه من الأبناء 8 يجهز الذكور منهم للعمل الجهادي، والسير في نفس الطريق الذي اختاره لنفسه، أطلق على أكبرهم "أسامة" تيمنًا بمؤسس تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، أما الثاني فهو "أيمن" على اسم أيمن الظواهري الذراع اليمنى لـ "بن لادن".

كابوسًا عاشه على مدار ثلاث سنوات تقريبًا، صوّر خلالها أكثر من 300 ساعة اختار منها القليل ليصنع به فيلمًا قاده إلى قائمة ترشيحات الأوسكار النهائية كأفضل فيلم وثائقي طويل، ركز فيها على الأطفال والمصير الذي ينتظرهم، وكيف تتم تنشئتهم على العنف والدم، كيف يهلل أب لأن ابنه قام بذبح طائر، معتبرها علامة حتى يبدأ في تدريب أبنائه على القتال واستخدام السلاح ليصبحوا مجاهدين، دون أن يلق بالًا لطفولتهم البريئة التي تحتضر..

"مصراوي" حاور المخرج المرشح لجائزة الأوسكار طلال ديركي، ليكشف تفاصيل صناعة الفيلم، وأبرز الصعوبات التي واجهها خلال التصوير، إلى الحوار..

بين فيلمك "العودة إلى حمص" و"عن الآباء والأبناء" خمس سنوات.. لماذا كل هذا الغياب؟

4 سنوات تقريبًا، بعد العرض الأول لفيلم "العودة إلى حمص" بدأت التحضير لـ"عن الآباء والأبناء"، مرحلة التصوير استغرقت تقريبًا 3 سنوات، وبعد ذلك مرحلة المونتاج وما بعد الإنتاج بما تتضمنه من عمليات فنية، واختيار مواد من 300 ساعة، ولا أراها فترة طويلة.

كيف أقنعتهم ببقائك بينهم وتصوير أدق تفاصيل حياتهم؟

مثل تلك الجماعات مخترقين من أنظمة عالمية كثيرة، واستطعت بكاميرا أن أكسب ثقة العائلة التي كان التصوير مركزًا عليها، لغرض إنساني بالنهاية، فلم يكن لدي توجه سياسي معين ولم أنقل أي معلومة وكذلك لم يحدث أن تواصلت مع أي جهة أمنية بالعالم، والمخرج لابد أن يتمتع بقدرة على التواصل ويحقق نسبة من الدبلوماسية، وفهم الآخر وإيجاد اللغة التي تجعل الآخر يفهمه.

تؤكد أن الفيلم إنساني لكن هناك من يراه فيلمًا سياسيًا يحمل توجه بعينه.. ما تعليقك؟

فيلمي ليس سياسيًا، الخط الذي يتناوله لا علاقة له بسوريا، فمن الممكن أن يتواجد في ليبيا أو السودان أو أفغانستان، البعض قد يفهم بشكل خاطئ، خاصة إذا كان يتعاطى سياسة، وكان يتمنى أن يرى أمورًا بعينها في الفيلم وحكي التاريخ السياسي مثل أن أعضاء تلك الجماعة كانوا في معتقلات بشار الأسد وتم إطلاق سراحهم بهدف خلط الأوراق، وهو شيء معروف بالنسبة لنا، لكن ليس مكانه الفيلم، وفي حال وجوده كنت ساستخدم لغة مختلفة، ووقتها لم أكن لأقترب من الأبناء، وسأركز فقط على قادة التنظيم، لكن الحقيقة أن "عن الآباء والأبناء" فيلم تربوي يتحدث عن التربية العنيفة للأطفال، وما قد ينتج عنها، كيف تُسرق طفولتهم؛ بهدف مشروع الخلافة الذي هو بالأساس لا علاقة له بصلب الدين، ولكن ابتكار حسن البنا وتم تطويره بشكل قاسي ودموي من خلال "داعش" و"النصرة".

صوّرت مشاهد كان يحدث وقتها إطلاق نار بالفعل.. ألم تشعر في أي لحظة بالخوف والرغبة في التراجع؟

كان هناك خوف دائم، وفي مقابلها تحديات لصناعة فيلم يصل للعالم ويكون سينمائيًا ناجحًا، وكان معي شركاء من مختلف أنحاء العالم من أمريكا ومن ألمانيا ودول أخرى، ليس سهلًا أن أحبطهم، وبالدرجة الأولى أعتبرت أن فشل هذا المشروع فشلًا لمستقبلي، وبالدرجة الثانية الخطر ظهر بالتدريج، في البداية كان دخول المنطقة شبه سهل، والوضع الأمني مستقر إلى حد ما، لم يكن هناك اغتيالات أو تفجيرات، وبشكل عام أحب المغامرة ولا أحب الطرق القصيرة، فاختار الحلول الصعبة.

لكنك وصفت الأمر بالكابوس أي أنه لم يكن سهلًا العيش كل هذا الوقت في تلك الأجواء؟

(مقاطعًا) صحيح كان كابوسًا، ففوق الدمار والهجرة والموت، هناك من يستغل حب الناس للدين ويعمل على غسل عقولهم، إلى جانب استغلال الأطفال وهي جريمة بحق الإنسانية، الأطفال أبرياء بكل القوانين هذا الشيء صار بسوريا ومن الممكن أن يحدث بأي دولة عربية أو دولة مسلمة أخرى، والهدف تحذير الشعوب حتى لا تنحدر لهذا العنف وهذا التطرف "شو ما صار اد ما صار خلافات، ما تستقبلوا هدول المقاتلين في الوقت اللي يجوا فيه ليقولكم نحن هنا لحمايتكم وبيحكوا أكيد بالعربي وبيستخدموا اسم الجلالة ما تثقوا فيهم".

وما هي أصعب اللحظات التي مررت بها أثناء تصوير الفيلم؟

عندما جاء وقت مغادرة أسامة للبيت ليلتحق بالتدريب على القتال "ما كان فيني أحكي مع أسامة وأشقائه وأهيئ لهم ظروف أفضل"، وكذلك عندما وقفوا الجنود في مشهد يذكرِك بمشاهد الحرب العالمية الثانية، ستشعرين أنك متعاطفة معهم بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية فهم في النهاية بشر يعرفون أنهم سيُقتلون لا محالة "بينكسر قلبهم، عرفانين انهم هيموتوا وخايفين من الموت"، شعرت بعجز كامل، لكن لا أستطيع أن أغير شيء.

كيف سيطرت على مشاعرك وأنت تراهم يقتلون الجنود؟

"الخوف على الرقبة دي، وعلى الحياة طبعًا وعندي خبرة صرت بعرف إن خير الكلام ما قل ودل".

ألا تتفق معي أن بعض الأحداث خدمت فيلمك وأكدت أن الأمل مازال موجودًا برغم أي شيء؟

صحيح، الطفل أيمن أراد أن يُكمل تعليمه وساعده على تحقيق رغبته أنه لم ينجح في التدريبات القتالية، أيمن هو الأمل، وكنت أشعر بخوف أن تكون النهاية سوداوية بالمطلق، لكن وجود تلك المدرسة، التي تحافظ على أسس التعليم، وتعلم الأطفال الشعر والحساب والعلوم، والتحاق أيمن بها وتحوله لطالب ذكي يهتم بدراسته، نقل للجمهور أن وسط هذه الأسرة قد ينجو طفل بنفسه.

هل مازلت تتواصل معهم؟

لا، الاتصال بيننا قُطع من زمان، أخبرتهم أنني أعاني من مشاكل أمنية، واخترعت قصة حتى لا يتوصلوا لي، إلى جانب أنهم يغيرون أرقام هواتفهم كثيرًا، فقط حدث أنني تلقيت من شقيقه الأكبر رسالة تهديد على موقع "تويتر"، بعدما شاهدوا "تريلر" الفيلم، فحكموا أنني خدعتهم، هددوني، وقالوا إنني جزء من المؤامرة الغربية وتوعدوا بلقاء قريب.

وماذا فعلت؟

لا شيء.

ماذا عن خطوتك المُقبلة؟

قبل تقديم أخر أفلام ثلاثية "سوريا والحرب"، بعد "العودة إلى حمص" و"عن الآباء والأبناء"، سأقدم فيلمًا خياليًا بعيد تمامًا عن الوضع السوري والوضع السياسي.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان