إعلان

فيلم "نهاية سعيدة": أداء متميز يستحق المشاهدة

01:47 م الإثنين 12 يونيو 2017

لقطة من فيلم "نهاية سعيدة" تجمع عددا من أبطال الف

لندن (بي بي سي)
يتطلب الأمر منك بعض الوقت والكثير من التركيز لكي تتعرف على ما يحدث تحديدا في الفيلم الجديد للمخرج مايكل هانيكه، وهو فيلم "نهاية سعيدة".

وثمة مشاهد تُظهر أن شخصا ما يراقب حدثا مُربكا أو مُزعجا عن بعد. لكن المخرج لا يكشف لك هوية هذا الشخص من الأصل. كما ستجد مشاهد لشخص يكتب رسالة على جهاز كمبيوتر محمول، دون أن تعرف من هو.

رغم ذلك، فسوف تجتمع تدريجيا أجزاء تلك الصورة التي صنعها هانيكه، لتشكل شعورا مقيتا للغاية لأسرة شديدة الثراء والنفوذ، بقدرٍ يجعلها لا تعلم كم هي بغيضة ومثيرة للاشمئزاز.

ويبدو هذا الفيلم الطموح المنتمي لفئة الكوميديا السوداء - وإن كان السواد فيه يغلب على الطابع الكوميدي - نسخة مُحدثة من رواية "يا له من تفكك"، وهو عمل ساخر كتبه "جوناثان كو" لانتقاد سياسات رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت ثاتشر بشكل لاذع.

كما أن هناك أوجه شبه بين فيلمنا هذا وبين الفيلم الكوميدي الأمريكي "تيننباوم الملكي"، وكذلك بينه وبين فيلم آخر يحمل اسم "قصص ميراويتس"، عُرِض بدوره للمرة الأولى في مهرجان كان السينمائي هذا العام.

لكن أكثر ما يذكرنا به فيلم "نهاية سعيدة" في واقع الأمر، هو الأعمال السابقة لـ"هانيكه"، المخرج والكاتب النمساوي، بما تتضمنه هذه الأفلام من مقاطع فيديو صُوِرت بكاميرات مراقبة، وتشيع في أجوائها مشاهد قسوة من خلال ما تتضمنه من وقائع قتل أو موت.

الأمر هنا إذن يتعلق بأسلوب هانيكه وطابعه من البداية إلى النهاية. فلا تقل إنه لم يتم تحذيرك مسبقا أيها القارئ.

على أي حال، إذا لم تكن قصة الفيلم واضحة بالنسبة لك من الوهلة الأولى، فلن يخفى عليك الطابع الإبداعي الذي يتسم به العمل. ففي المشهد الافتتاحي، نرى سيدة بداخل دورة مياه تستعد للخلود إلى النوم، وذلك عبر لقطات يبدو أنها تُصوّر بكاميرا هاتف محمول من جانب متلصص.

الأكثر إثارة أن هذا المتلصص - أيا كانت هويته - يعكف على كتابة رسائل نصية تتضمن توقعات دقيقة لما تستعد هذه السيدة للقيام به. كأن يكتب مفردات مثل "بصق" و"مضمضة للفم" و"منشفة اليد" و"الشعر".

ومن خلال مشهد واحد مقلق ومثير للتوتر مثل هذا، يثبت المخرج هانيكه صاحب الخمسة والسبعين عاما، أنه لا يزال قادرا على إشاعة التوتر في أجواء أعماله، على نحوٍ أكثر براعة من غالبية مخرجي أفلام الرعب الآخرين، الذين لا تتجاوز أعمارهم نصف عمره.

كما يبرهن الرجل بمشهد من هذا القبيل على أنه مازال بمقدوره الإشارة إلى ما تتسم به التكنولوجيا الرقمية الحديثة من طابعٍ يشكل بتفوقه إهانة للإنسانية والكرامة البشرية، وذلك بشكل أكثر دقة من أي من مخرجي الأفلام الوثائقية التي تثير نقاشا وجدلا واسعين.

أما المشهد التالي، والذي صُوِّر كذلك على يد المستخدم الغامض نفسه للهاتف المحمول، ويصطبغ بطابعٍ غريب إلى حدٍ يجذب الانتباه بشدة، فيُظهر هذه المرة فأر همستر وهو تعيس الحظ.

ففي تلك اللحظة التي يبدو فيها العمل كما لو كان سيصبح مجرد سلسلة من المقاطع المصورة التي تُبث عبر خدمة "مباشر" التي يقدمها موقع "فيسبوك"، يتحول المخرج لعرض صور ملتقطة بكاميرات مراقبة لموقع بناء شبيه بحفرة كبيرة أو فوهة بركان، توضع فيها وضع أسس مبنى ما.

لكن عليك أن تنتبه جيدا لكل تفاصيل المشهد، وإلا ستفوتك تلك اللحظة التي يميل فيها أحد جوانب الموقع على العمال الذين يعملون فيه. في النهاية، نعلم من خلال الفيلم أن الشركة المسؤولة عن موقع الإنشاءات هذا مملوكة لأسرة لورنتس، التي يتميز أفرادها بالثقافة وحسن الهندام، ويتقاسمون قصرا منيفا في مدينة كاليه الفرنسية.

ويدعى رب الأسرة جورج (ويجسد شخصيته جان لوي ترانتنيان الذي شارك في بطولة آخر أفلام هانيكه الذي حمل اسم "آمور"). وجورج رجل مُسن في الرابعة والثمانين من عمره، يتسم بالعجرفة والاستبداد، وقد بدأ يفقد قدراته البدنية والذهنية، لكنه لا يزال محتفظا بشعوره بالفخر المنطوي على ازدراء لمن حوله.

أما ابناه؛ آن (إيزابيل أوبير) وتوماس (ماتيو كاسوفيتش) فيبدوان لنا في البداية كأب وأم يتسمان بالحنو - كل في أسرته الصغيرة - وشخصين مهنييّن أنيقين يتميزان بالدماثة.

وسيمضي وقتٌ طويل قبل أن نرى قدر الازدراء الذي يضمره كلٌ منهما في أعماقه للخدم المغاربة العاملين لديهما، وللمهاجرين المقيمين في المنطقة المحيطة بقصرهما، ولكل شخص آخر لا ينتمي لأسرتهما.

أما الجيل الأصغر سنا من الأسرة، فلا يخفي مشاعره وطباعه بالكفاءة نفسها. فـ"بيير" وهو الابن البالغ لـ"آن" (يقوم بدوره فرانس روغُفسكي)، لا يزال لديه قدرٌ من الضمير يجعله يشتعل غضبا من أفعال أمه، وهو غضبٌ وغيظ يتبديان بشكل مذهل عبر أدائه لرقصة كاريوكي جامحة وهو ثمل.

في الوقت نفسه، لدينا إيف (فانتين هاردوين) وهي ابنة توماس من زيجته الأولى، والتي لا يتجاوز عمرها 12 عاما. وما من وصف أدق لـ"إيف" أكثر من أن نعتبرها أقرب إلى شخصية "وينيسداي آدامز" في سلسلة روايات "عائلة آدامز".

والمعروف أن تلك "العائلة" الخيالية من بنات أفكار الكاتب الأمريكي تشارلز آدامز، وقد شكلت محورا لأعمال تليفزيونية وسينمائية، وكذلك أعمال مُعدة بأسلوب الرسوم المتحركة.

و"وينيسداي آدامز" - حسبما رسم ملامحها الكاتب - هي فتاة صغيرة تتشح بالسواد دائما، ونادرا ما تبدي أي انفعالات، وتسكنها مشاعر المرارة بوجه عام.

وقد ذكرتني شخصيتها بفيلم أخرجه هانيكه من قبل باسم "وايت ريبون" (الشريط الأبيض)، والذي يتناول فيه قرية افتراضية تضم أطفالا دُمرت شخصياتهم على نحوٍ يحولهم إلى نازيين عندما يكبرون. ولعلي لا أجرؤ على التفكير في ما ستصبح عليه هذه الطفلة عندما تكبر في ضوء ما كانت تُكِنُه من مشاعر في فترة صباها.

وبينما يُماط اللثام عن أسرار الأسرة ودوافع أفرادها، يتضمن الفيلم بعض اللحظات الصادمة التي تنطوي على عنف وحشي مفاجئ. لكن مثل غالبية أفلام الرعب الأكثر تأثيرا ونجاحا التي تنتجها هوليوود، يمر فيلم "نهاية سعيدة" مرور الكرام على أكثر المشاهد بشاعة وفظاعة، وهو ما يشكل مؤشرا على أن آل لورنتس أنفسهم لا يكترثون كثيرا بمثل هذه الأفعال الشنيعة.

غير أن الأسوأ من ذلك هو تلك المشاهد التي تحفل بحوارات هادئة ومتحضرة لا علاقة لها بالعنف بأي حال من الأحوال، وتُشكل في الوقت نفسه نموذجا على طريقة التفكير القاسية التي تتبناها الأسرة، وتقوم على أنه بوسعها سحق أي شخص يجرؤ على الوقوف في طريقها عبر سلاحي المال ورجال المحاماة.

الخلاصة أن فيلمنا هذا ليس بأكثر عمل مبهج أو مريح للأعصاب يمكنك مشاهدته، فنحن نتحدث هنا عن فيلم أبدعه أحد أساتذة الإخراج في أوروبا على صعيد تقديم أعمال سينمائية تشيع فيها أجواء التعاسة والاكتئاب، أو تُحدِثُ هذه المشاعر لمشاهديها.

لكن عندما يصل العمل إلى نهايته غير السعيدة على الإطلاق، تكون أُحجية هانيكه المعقدة قد اكتملت على نحوٍ مرضٍ. وهي ليست صورة دقيقة لأسرة واحدة فقط، بل للعالم بأسره كذلك.

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان