"45 عاما".. كيف تقلب الأسرار حياتنا رأسا على عقب؟
كتبت- دعاء الفولي:
حياة هادئة بسيطة، روتين اليوم لا يتبدد؛ تخرج "كايت" في الصباح بصحبة الكلب، تعود لتجد زوجها "جيف" يقرأ، يستمع للموسيقى، أو يُصلح شيئا بالمنزل، تسير الأيام ويقترب موعد ذكرى زواجهما الخامسة والأربعين، وبينما الزوجة في خضم التحضيرات، يطرأ سر جديد، يُغير تفاصيل العلاقة بين العجوزين.
شارلوت رامبلينج هي الممثلة الستينية التي تلعب دور الزوجة بفيلم "45 عاما"، رُشحت لأوسكار هذا العام-للمرة الأولى- كأفضل ممثلة، يبدأ الفيلم بمشهد عام على مزرعة قريبة من منزلهما، تُشبه لوحة فنية. البيت الذي يجمعهما؛ تفاصيله بسيطة، تدخله شمس الصباح فُتضفي على ألوانه السماوية بهاءً وراحة، ملابس "كايت" غير متكلفة، ترتدي بمعظم الوقت بنطالا وتي شيرت يغطيه معطف صوفي خفيف، هي أكثر نشاطا من زوجها، تراعيه، كل ما عادت من الخارج تسأله إذا تناول أدويته، إذ يُعاني من النسيان المزمن، تلاطفه كصغير، تُذكره بأغنية اعتادا الرقص عليها سويا، تقترحها عليه كأغنية حفل زواجهما الـ45، قبل أن تلاحظ خطابا قديما بيده، يخص فتاة قابلها منذ خمسين عاما تُدعى "كاتيا".
"في ذلك الخطاب أخبروني بحادث موتها" يحكي "جيف" الذي يقوم بدوره الممثل توم كورتني، تعلو وجهه كآبة، تهتز يده الممسكة بالورقة، تحتضنه الزوجة، لا يخبرها عن علاقته بـ"كاتيا"، سوى أنهما كانا صديقان، يتسلقان سويا الجبال في سويسرا، تتعاطف معه "كايت"، تستمر حياتهما على نفس النسق، تزداد الزوجة انشغالا لاقتراب ميعاد الحفل، تذهب للقاعة التي ستجمعهما بالمقربين، تستكمل التسوق لتشتري ما ينقصها، وبتلك الأثناء يغوص "جيف" في الحب القديم.
معظم الوقت تكون "كايت" بطلة المشاهد، لكن عندما تعود الكاميرا لـ"جيف" يجد المشاهد تغييرا في تصرفاته، ففي إحدى المرات شاهدته "كايت" جالسا في الشارع يدخن، رغم أنه توقف عن تلك العادة منذ سنوات، تلاحظ أن صبره بدأ ينفذ، لا يتحدث إلا لماما، حتى أنها تضطر لسؤاله عن رأيه في الطعام، غير أن حديثه عن الحبيبة الراحلة لم يكن ينقطع.
مع الوقت صارت "كاتيا" الألمانية جزء من حياة العجوزين، تسأله "كايت" عن أوصافها، فيخبرها أن شعرها أسود، يقص عليها مغامراتهما، كيف حاولا دخول إيطاليا عبر الحدود، وفي إحدى المرات قال لها إن "كاتيا" كانت رفيقته في السكن وليست مجرد صديقة، وأنهما أخبرا المحيطين أنهما متزوجين، لأن الناس لم تكن تتقبل سكنهما سويا دون سبب؛ انفعلت الزوجة، لأنه لم يخبرها قط من قبل، كادت أن تفقد أعصابها، لكنها قالت في النهاية: "أنا لا يهمني ما حدث قبل تعارفنا".
"كايت" كانت متساهلة مع "جيف"، ربما أكثر من اللازم، طوال ساعة ونصف مُدة الفيلم، تبقى هي الأكثر صبرا، والأكثر اهتماما بتفاصيل حياتهما؛ سألته مرة عن سبب عدم وجود صور كثيرة سويا، ثم أجابت بنفسها أن ذلك ربما لأنهما لم يحصلا على أولاد وأحفاد، مثل أصدقائهما الذين ظهروا بعدة لقطات فقط خلال الفيلم، الذي تسير وتيرته بطيئة، فكلمات البطلين ليست كثيرة، كأنما أراد المُخرج أندرو هاي، أن يُظهر الرتابة، في ملامح "جيف" التائه في عالمه الخاص، وربما أرادت الحبكة المأخوذة عن قصة "في مدينة أخرى" القول أن غمامة الحب تغطي عين "كايت"، فهي حتى منتصف الفيلم أو يزيد لا تعرف أن الزوج يفكر في امرأة أخرى، ماتت منذ سنوات بعيدة.
بمرور الوقت، أكلت الغيرة قلب الزوجة الستينية، باغتت "جيف" قبل النوم؛ "لو لم تمت كاتيا في حادث، هل كنت ستتزوجها"، حاول التملص، ثم قال فجأة: "نعم.. كنت سأتزوجها"، اُسقط في أيديها، لم تستطع الرد. في اليوم التالي رأت ساعة يد فكرت أن تشتريها له بمناسبة عيد زواجهما، لكنها تراجعت، شعرت أنه شخص غريب، وأنها لم تكن يوما كافية له، ثم بدأت تتبع آثاره، كأنها انتظرت أن يعترف بحبه لـ"كاتيا" كي تنتبه؛ تصعد لغرفة علوية بالمنزل، فتكتشف أن صور "كاتيا" تملأها، يتجمد الزمن، تدمع عيناها دون دموع، ينقطع الصمت المؤذي برنين الهاتف؛ فيسألها منظم الحفلة عن الأغاني التي ترغب بها لحفل الذكرى، فتخبره ببعض الأسماء، بينما تحاول ابتلاع الفجيعة.
حتى النصف ساعة الأخيرة بالفيلم لا يظهر على "كايت" أي تغيير أمام زوجها، لا تسأله عن الصور التي رأتها بالغرفة، لكن الموقف بينهما ينفجر فجأة، حين يتركها ليتنزه بالمدينة، وتخرج هي الأخرى، فيدعوها عقلها أن تدلف لمكتب السفر، وهناك تسأل موظفة عن مواصفات رجل جاء قبلها، فتقول لها السيدة إن شخصا جاء بالفعل متسائلا عن السفر لسويسرا، تعود للمنزل، ويعود زوجها متأخرا، تكظم حنقها، تسأله بهدوء إذا ذهب لمكتب السفر، فيجيب بنعم، تنفعل عليه، تنهره، تقول إن "كاتيا" استحوذت على حياتهما، تكتشف أن العطر المنثور بالمنزل هو عطر الشابة الراحلة، كان الزوج يرشه، تعرف أن تلك الحبيبة شاركتهما كل شيء، بما في ذلك الأماكن التي اختاروا أن يزوروها يوما.
منذ تلك اللحظة، ورغم الوجع، تظهر الزوجة وكأنها ما عادت تشعر بشيء تجاه الزوج، يتبقى ساعات على ميعاد الحفلة؛ تتأنق بفستان قصير، ويرتدي هو بذلة، حينما يدلفان القاعة يستقبلهما تصفيق حار، اليوم يُتمم زواجهما عامه الخمسة وأربعين، يحتفل بهما الجمع، يقول الزوج كلمة خلال الحفل: "إقناعك بالزواج مني كان أفضل شيء فعلته.. أحبك"، يبكي "جيف"، مقبلا يديها، وتبتسم هي ابتسامة باهتة، تبدأ رقصتهما على أغنية "دخان في عينيك"، يضحك الزوج منطلقا، يدور معها كأنما هما شابين، بينما تبدأ "كايت" في البكاء بشدة، ربما لشعورها بأنها عاشت 45 سنة من حياتها في زيف، ظنت أن الزوج كان لها وحدها، فيما الواقع بعيد تماما عن ذلك.
فيديو قد يعجبك: