فلسطيني يصنع من "الصمت" وسط الاحتلال الوحشي فيلما ينافس على الأوسكار (حوار)
حوار- هدى الشيمي:
عندما كان في المرحلة الثانوية التحق بمدرسة نظام التعليم بها أكاديمي بحت، لا تشجع أبدا على الإبداع أو ممارسة الفنون، فأصابه الملل من الحصص المدرسية، وبدأ بكتابة القصص في كتبه الدراسية، ولم يكن لديه أي متنفس، سوى القراءة وكتابة القصص، وأحلام اليقظة التي روادته داخل الفصل، وبعد فترةأدرك أن السينما والأفلام قادرة على التعبير عن المشكلات السياسية، والعثور على حلول لها.. فكان له ما أراد واضحى اسمه مسجلا في قائمة المرشحين لأبرز جائزة سينمائية في العالم "الأوسكار".
انتقل باسل خليل، الفلسطيني البريطاني، إلى لندن منذ ثلاثة أعوام، والعمل في القنوات التليفزيونية، ومنها إلى إسبانيا للاستقرار في مكان غير مكلف، ويتمكن من التركيز في الكتابة، مبتعدا عن تكاليف الحياة الباهظة في عاصمة الضباب، ومن هنا قرر أن يقوم بخطوة ثانية في مسيرته المهنية، ليصنع فيلمه الأول، وعلى الرغم من كونها مخاطرة كبيرة، وعدم تأكده في مثل هذه اللحظة العام الماضي من نجاحه، استطاع بعمله "السلام عليك يا مريم"، " Ave Maria"، الترشح لجائزة الأوسكار فئة الأفلام القصيرة، وتمكن مصراوي من محاورته، للتعرف على كواليس إعداد الفيلم، وخططه المستقبلية، فإلى الحوار:
- متى علمت أن الفيلم ترشح لجائزة الأوسكار؟ وكيف كان شعورك في ذلك الوقت؟
كنت أشاهد الإعلان عن الجوائز على الهواء مباشرةً مع أحد أفراد فريق العمل عبر "سكايب"، وكان رد فعلي الأول الصدمة، ثم صرخت بصوتٍ عالٍ، ثم قمت بعمليات حسابية لا نهائية للحصول على تمويل من أجل حملة ترويجية للفيلم، وفي شهر نوفمبر علمنا أننا وصلنا لقائمة الأفلام العشرة المرشحة للجائزة، وهنا أدركنا أن حظوظنا للتواجد ضمن قائمة الأفلام الخمسة اقتربت من 50%، وحتى هذا الموعد مر شهران مثيران للأعصاب.
- كيف جاءت فكرة فيلم "السلام عليك يا مريم"؟
أردت أن أصنع فيلماً فلسطينياً مختلفاً، فيلما كوميديا عن طائفة مجتمعية نادراً ما رآها أحد من كل أنحاء العالم، وهو مجتمع الراهبات في فلسطين، في الناصرة لدينا دير كبير يضم 7 راهبات "كرمليت"، تعشن ملتزمات الصمت في فقاعة بوسط مدينة عربية صاخبة، هذا المفهوم عن الحياة المنضبطة، العزلة والقواعد الصارمة أثار فضولي للغاية.
-وما المدة التي استغرقها تصوير الفيلم وتنفيذه وصولاً إلى خروجه في نسخته النهائية؟
تمويل الفيلم استغرق مني حوالي عامين، وطوال هذا الوقت كنت أقوم بعمليات إعادة كتابة السيناريو وتعديله، حيث تعاونت مع السينمائية المعروفة "سهى عرَّاف" التي كانت توجهني طوال عملية تطوير المشروع، وعندما حان موعد التصوير كان أمامنا شهر واحد للتجهيزات واستطلاع مواقع التصوير، والحصول على الأزياء وكل لوازم التصوير. أما بالنسبة للتصوير، فقد استغرق 3 أيام، منها يومان في حيفا حيث صورنا المشاهد الداخلية، ويوم واحد لتصوير المشاهد الخارجية في دير مهجور بين مدينة أريحا وحدود الأردن، وبالنسبة لعمليات المونتاج والمكساج وتصحيح الألوان استغرقت شهرين بباريس.
-يدور الفيلم في إطار كوميدي..إلا أن بطلات الفيلم "الراهبات" صامتات.. فكيف استطعت تنفيذ فيلم كوميدي دون كلام؟
الكوميديا هنا تأتي من مجرد المواجهات والإحساس بعدم الارتياح، وهي أشياء بصرية وتحمل لغة أكثر عالمية، فعندما تأتي بمجموعتين متناقضتين لا تستطيعان التواصل مع بعضهما، فهناك شيء كوميدي سيحدث آجلاً أو عاجلاً، في الوقت الذي لا يصبح هذا الموقف مضحكاً بالنسبة لهما، حيث أنهما مضطران لمواجهة بعضهما البعض، ومع هذا فهو كوميدي بالنسبة لنا ونحن نشاهدهم من خارج فقاعتهم.
- 14 دقيقة هي مدة الفيلم.. فكيف استطعت التعبير عن فكرة بهذه الأهمية في تلك المدة؟
بالكتابة وتعديل السيناريو لشهور وشهور، فكتابة عمل كوميدي من أصعب المهام التي من الممكن أن يتولاها أي مؤلف، وأنا كنت مصراً على أن تكون الكوميديا بصرية بلا أي وعظ أو أجندات سياسية.
- ما هي رسالتك أو هدفك من الفيلم؟
هدف الفيلم هو طرح تساؤل عن القواعد الصارمة التي نطبقها على أنفسنا وتعوق التواصل والتفاعل الإنساني.
-البعض قد يعتبر الفيلم دعوة للتعايش بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي وقبول الأمر الواقع ..فهل كنت تقصد ذلك؟
هذا رأي شخصي، فكل شخص يشاهد الفيلم بطريقته الخاصة وأنا لا يمكنني التحكم في هذا، ومع ذلك فأنا لا أفهم كيف وصل لأحد فكرة كون الفيلم عن التعايش بين الشعبين، في الوقت الذي من الواضح فيه أنهم ليسا متشابهين، ولم يصبحا أصدقاء، وفي نهاية الفيلم فالواقع الوحشي بين المحتلين لا يزال كما هو، في كل الاحول لا أشعر بضرورة شرح نيتي للجميع.
- أثناء إعداد الفيلم وتصويره.. هل واجهتك أي صعوبة؟
المشاهد الخارجية كانت الأصعب، لأنها كانت في دير مهجور بوادي الأردن قرب أريحا ويحمل اسم قصر اليهود، وهو في وسط حقل ألغام ومنطقة عسكرية محظورة تخضع للجيش الإسرائيلي، إلا أنه كان المكان الوحيد المناسب للتصوير، فاستعنا بمساعد إنتاج يهودي لديه لكنة إسرائيلي من أجل الاتصال بالجيش، والحصول على تراخيص التصوير، ولحسن حظنا تمت الموافقة على الطلب بشرط إخلاء المكان بحلول الساعة السادسة مساءً، وهو ما يعني أن لدينا 7 ساعات فقط من أجل الانتهاء من أعمال تصوير تستغرق عادة أكثر من 11 ساعة، ولهذا ركز فريق العمل على الانتهاء سريعاً وصورنا مشاهد طويلة مرة واحدة دون توقف أو إعادة، وبحلول الساعة 5:50 جاءت عربة تابعة للجيش الإسرائيلي لمتابعة المشاهد النهائية من التصوير، ثم رافقت فريق العمل خارج المنطقة.
-ومتى بدأت تقديم الفيلم في المهرجانات السينمائية الدولية؟
بدأنا التقديم للمشاركة في المهرجانات السينمائية الدولية في ديسمبر 2014، وتم رفض الفيلم في عدد من المهرجانات في مطلع 2015، حتى وصلنا إلى شهر أبريل 2015، وجاءني هاتف تليفوني يخبرني بقبول مشاركة الفيلم في مهرجان كان السينمائي، حينها أدركت أني أخيراً فعلتها.
-شارك الفيلم في عدد كبير من المهرجانات.. فكيف وصل إلى مهرجان كان السينمائي الدولي؟
قدمنا في فبراير 2015 مع حوالي 4600 فيلماً آخر، وفي النهاية اختاروا 9 كان من بينهم "السلام عليكِ يا مريم".
-وكيف كانت ردود الأفعال بعد عرض الفيلم في المهرجانات المختلفة؟
يمكنني القول إن ردود الأفعال كانت متشابهة إلى حد كبير، فقد تفاعلوا مع كوميديا الفيلم، ومعظم الناس من مختلف أنحاء العالم لم يدركوا إن كانت الراهبات فلسطينيات أم مجرد مسيحيات، لهذا فأنا أشعر بالفخر لكون فيلماً قصيراً مُسلياً مثل هذا استطاع أن يصور مجتمع ينتمي إلى هذا العالم بصورة إيجابية.
-فاز الفيلم بإحدى عشر جائزة، قبل الترشح لجائزة أوسكار، فكيف كان ذلك بالنسبة؟
حصول الفيلم على جوائز من دول ذات لغات وثقافات مختلفة، يؤكد لي على أن الفيلم استطاع تجاوز الحدود ومس أشخاص من مختلف أنحاء العالم.
-ينافس في قائمة الترشيحات النهائية للأوسكار خمسة أفلام.. فما الفيلم الذي تراه منافسك الأقوى؟
لم أشاهد أياً منها حتى الآن، ولكني سأشاهدهم في لوس أنجلوس في عرض خاص لكل صُناع الأفلام قبل 3 أيام من حفل الأوسكار، ومما سمعت فإنهم يقولون إن فيلمي " "SHOKو "EVERYTHING WILL BE OK" منافسان قويان.
- عند وصولك للحفل السنوي الثامن والثمانين لتوزيع جوائز الأوسكار.. من الشخص الذي ترغب في الالتقاء به؟
لقد قابلت بالفعل حتى الآن المخرج ستيفن سبيلبرج، سيلفستر ستالون، مات ديمون، إيدي ريدماين، بريان كرانستون، وبيتر دكتور، وكثيرين من المرشحين للجائزة في حفل غداء أقيم لنا في الثامن من فبراير بلوس أنجلوس، ومع هذا فالمخرج الذي أتوق للقائه هو "ألفونسو كوران" الذي أحب عمله وكيفية إخراجه للأفلام.
- بعد فوز فيلمك بعدد كبير من الجوائز وترشحه لجائزة الأوسكار.. هل ترى الجوائز من بين المعايير الأساسية لتقييم الأعمال الفنية؟
نعم ولا في الوقت نفسه، ففي النهاية من يقرر منح هذه الجوائز بشر، وهذه القرارات التي يتخذونها تخضع للأذواق الشخصية، وعمليات الترويج والدعاية للفيلم، والحالة المزاجية أثناء المشاهدة، وكذلك الاتجاهات السياسية والميول الشخصية تجاه أشياء بعينها، وهذه هي الطبيعة البشرية على أي حال، ومع ذلك فهذا لا يعني أن الأفلام الفائزة بالجوائز لا تستحقها، فصناعة كل فيلم تعتبر ملحمة، وكل فيلم له قيمة كبيرة لدى صانعه.
- وهل ترى أن الأفلام القصيرة تستطيع عرض الأفكار وتساهم وتوصيلها بطريقة أفضل من الأفلام الطويلة؟
أن تصنع فيلماً قصيراً أصعب من صناعة فيلم طويل، لأنك مضطر لحكي قصة في وقت قصير على الشاشة، ومع ذلك فجيل يوتيوب أصبح متعطشاً الآن في مشاهدة مواد مسلية تحمل معاني جيدة في وقت قصير.
- ما هو مشروعك المُقبل؟ وهل سيكون روائي طويل أم فيلم قصير؟
حالياً أعمل على فيلمين طويلين في مرحلة التطوير ومسلسل تلفزيوني. الفيلم القادم سيكون كوميدياً عن ناقد أطعمة وسيكون اسمه الناقد.
فيديو قد يعجبك: